الزميل عبدالناصر سلامة رئيس تحرير جريدة الأهرام كتب مقالا فى غاية الخطورة فى الصفحة الأولى صباح الأحد الماضى بعنوان «الرمز.. وهيبة الدولة». خلاصة المقال هو أن يتعامل الإعلام مع الرئيس محمد مرسى كما كان يتعامل مع مبارك قبل سقوطه، أى تحويله لخط أحمر لأنه «رمز لهيبة مصر والانتقاص من شخصه تصريحا أو تلميحا هو انتقاص من هيبة الدولة، سواء كان من خلال برامج تليفزيونية أو غيرها». يضيف سلامة أن خطاب النخبة يجب أن يتغير نحو الرئيس، وأن نتصدى لأى إساءات توجه له بالطريقة أو الأسلوب الذى تعود البعض عليه الآن، حتى ولو من خلال برامج تليفزيونية يعتبرها البعض كوميدية، لأنها فى النهاية تسفيه لمصر، وأن مثل هذه البرامج يشاهدها مواطنو الأقطار الأخرى، مما جعلنا مثار سخرية.
لم يكن ينقص مقال سلامة إلا أن يطلب وقف برنامج باسم يوسف «البرنامج» بالاسم، أو أى مقال أو خبر أو تحقيق يستهدف شخص الرئيس.
مع كل التقدير لنوايا سلامة، فإن مجمل مقاله هو أخطر ضربة يمكن أن توجه لحرية التعبير والإعلام.
على المستوى الشخصى أكن كل الاحترام لشخص رئيس الجمهورية، الخلاف الجوهرى مع كلام سلامة هو فى تفسير معنى هيبة الرئيس وخلطها بهيبة مصر، بهذا التفسير الضيق فاننا كان يجب علينا ألا ننتقد مبارك لأنه أيضا رمز لمصر.
أطالب الزميل سلامة وكل من يفكرون بطريقته بأن يمسكوا بريموت التلفاز ويحولوا القمر من نايل سات إلى «هوت بيرد» ويشاهدوا البرامج الساخرة فى المحطات الأمريكية والأوروبية بل والهندية.
سوف يكتشفون أن حجم السخرية «المشروعة» ضد الرئيس مرسى لا تصل إلى نقطة فى بحر السخرية التى يتعرض لها رئيس أقوى دولة فى العالم وهو أوباما، سخروا من لونه وقالوا عنه زنجى ومسلم متنكر، وأنه وأنه.....
الإعلام الأمريكى لم يسخر من شخص كما سخر من جورج بوش الابن، لدرجة وصلت إلى القول إنه لفرط غبائه لا يعرف حتى كيف يأكل «المقرمشات».
لم يخرج علينا رئيس تحرير ال«واشنطن بوست» ليقول إن هذه السخرية تنال من هيبة أمريكا، وتجعلها فرجة بين الأمم. العكس هو الصحيح.. هذه الحرية هى الضامن الوحيد حتى لا يتحول أوباما إلى ديكتاتور.
يسأل كثيرون: وهل تقبلون الإساءة للرئيس؟ الإجابة ببساطة: لا أحد يقبل ذلك، لا للرئيس ولا للخفير، أى شخص يشعر أنه تعرض للإهانة يستطيع الذهاب إلى القضاء وتغريم الإعلامى وجريدته ومحطته غرامات باهظة تجعل أى إعلامى يعرف الحدود بين النقد والإهانة.
القضاء هو من يستطيع التفريق بين الانتقاد والإهانة.
صدقنى يا أستاذ عبدالناصر إن ما كتبته فى الأهرام لن يقود إلا لتحويل مرسى إلى مبارك.
لو بدأنا بمنع انتقاد الرئيس فى البرامج الكوميدية الآن، فسوق ننتهى إلى تحويله «خط أحمر»، ثم نحتاج إلى ثلاثين عاما كى نقتنع أننا كنا مخطئين.
مرسى وأى مسئول هو شخص عام يجوز انتقاده، لكن المؤكد أنه لا يجوز إهانته. فالمفترض أن ذلك صار جزءا من الماضى، وكنا نظن أننا انتهينا منه، فمصر أكبر من مبارك والسادات وعبدالناصر ومرسى والبرادعى وصباحى وموسى وأى سياسى، هى باقية، نحن أفراد نصيب ونخطئ.
بهذا المنطق يا أستاذ عبدالناصر وإذا اتفقت معنا أن مبارك كان مخطئا فالطبيعى أن الرئيس المستبد هو الذى يسىء إلى هيبة بلده وليس برامج الإعلام الكوميدية.
أتمنى أن يكون ما كتبه عبدالناصر سلامة مجرد فكرة خطرت بباله، وليست توجها شاملا، وإلا فإننا سائرون إلى كارثة محققة.