جنزير مقطوع، وهاتف قابع في دولاب مغلق وسط أكوام أتلال القمامة، وعامل واحد يقف على قدميه لساعات تمتد إلى 12 ساعة يوميًا يمارس عمله في توقيف المارة، وإطلاق سافرات الإنذار للتحذير من مرور القطار، تلك هي كل وسائل تأمين مزلقان «أبو خليفة» في منطقة الشرابية؛ فبعد مرور أكثر من شهرين على حادث «مزلقان أسيوط» المروع الذي راح ضحيته 50 طفلاً، وبالأمس 19 شهيدًا من مجندي الأمن المركزي و107 مصابين في حادث «قطار البدرشين». فعلى مرأى من أتلال القمامة التي تمتد لأمتار حول المزلقان، بدأ «عمرو حسين» عامل المزلقان حديثه ل"الشروق"، قائلاً: "العملية ماشية بستر ربنا، اللي لولاه كانت كل يوم حادثة"، مشيرًا إلى خلو المزلقان من أي أفراد للحراسة أو أية إمكانيات تساعده على أداء عمله سوى "جنزير" مقطوع، مؤكدًا أنه خاطب العديد من المسؤولين لإصلاحه أو استبداله بآخر سليم دون رد منهم، وتليفون تحويلة موجود في دولاب مغلق بين أتلال القمامة التي تنتشر حول المزلقان، وجرس الإنذار.
وأوضح حسين، أن المزلقان له أهمية كبيرة؛ حيث يعتبر هذا المزلقان البديل الرئيسي لخطوط الوجه البحري، ويمر عليه يوميًا العشرات من قطارات السفر المتجهة من القاهرة إلى محافظات الوجه البحري.
تنحصر كل «أحلام حسين» الذي يعمل في السكة الحديد منذ 14 عامًا، في تحسين الظروف التي يعمل فيها، وتوفير وسائل وأفراد لحماية المزلقان الذي تقف قلوب سكان المنطقة بسببه يوميًا، حين تمر سيارة أو يعبر الأطفال أو السكان المزلقان أثناء مرور القطارات.
وأكمل حسين حديثه عن أحلامه، قائلاً: "لا أتطلع سوى لغرفة بجوار المزلقان أستطيع أن أراقب من خلالها المزلقان، بعد أن أزالت البلدية غرفتي التي وفرتها هيئة السكة الحديد"، مشيرًا إلى أنه يضطر أن يبقى تحت الشمس أو الأمطار طوال ساعات عمله، حتى لا يبتعد عن المزلقان الذي يفتقد لأبسط سبل التأمين والحماية، مما يؤدي إلى وقوع كوارث."
وعلى الرغم من ساعات عمل «حسين» الطويلة إلا أنه لا يتقاضى أكثر من 590 جنيهًا شهريًا، قد يصلون إلى 800 جنيه بعد الحوافز.
"شالوا واحد وجابوا واحد" تلك هي رؤية «حسين» للتغيرات التي تحدث في هيئة السكة الحديد، لافتًا إلى أن المسؤول الذي يأتي لا ينظر إلى العاملين، ولا يعمل على إحداث تغيير حقيقي؛ فالتطوير الذي حدث في هيئة السكة الحديد منذ أكثر من 10 سنوات هو تركيب مكيفات لبعض القطارات، أما القطارات المميزة التي تنقل الغلابة والفلاحين، والتي تدخل إلي القرى والضواحي في الصعيد، لم يحدث لها أي تطوير، بل وتعاني أشد المعاناة؛ من شبابيك مخلوعة، ومقاعد غير آدمية، وطرق سيئة تسير عليها.
وأضاف «إسماعيل خليفة» أحد العمال أيضًاَ بمزلقان أبو خليفة، والذي يعمل في هيئة السكة الحديد منذ 26 عامًا، أن الهيئة تعاني من نقص في العمالة؛ حيث يعمل على المزلقان لمدة ثلاث سنوات ويكون فردًا واحدًا فقط في الوردية، ومن المفترض أن يكون هناك شخصان على الأقل في الوردية الواحدة، ولا يوجد أي أفراد للأمن أو وسائل تأمين على المزلقانات.
وأشار خليفة إلى أن عمال المزلقانات يقومون بالكثير من عمليات الإنقاذ سواء للأفراد أو السيارات، ولكن ذلك يتم في ثوانٍ معدودة،وقد لا يسعفنا الوقت، لافتًا إلى أن المزلقانات تحتاج إلى تأمين وتطوير وانضباط من المواطنين حتى لا تتكرر تلك الحوادث المؤلمة التي تزهق عشرات الأرواح جملة واحدة.
وفى النهاية، لا نستطيع أن نقول سوى، إن المسؤولين لم ينتبهوا بعد لأوضاع المزلقانات في مختلف أنحاء الجمهورية، أو ربما ينتظرون كارثة أشد، وضحايا أكثر يومًا بعد يوم.