• إذاعة قداس العيد من محطة الإذاعة المصرية لأول مرة • الرئيس محمد نجيب يهنئ المسيحيين ويقول لهم: المصريون جميعاً أبناء لمصر وكل مصرى على وطنه عزيز وكلهم فى محبة الوطن سواء
• البابا يوساب الثانى يقول فى رسالة عيد الميلاد: من حسنات الزمن أن يهل عيد الميلاد على مصر وشعارها الاتحاد والنظام والعمل
كان عيد الميلاد المجيد، الموافق 7 يناير من عام 1953م، عيداً مختلفاً ليس فقط بالنسبة للمسيحيين ولكن أيضاً لكل المصريين، فقد كان أول عيد خاص بالمسيحيين يأتى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م، تلك الثورة التى قامت بقيادة مجموعة من ضباط الجيش المصرى أطلقوا على أنفسهم اسم "الضباط الأحرار"، والذين كان يتزعمهم اللواء محمد نجيب على ما بدا فى أول الأمر أمام المصريين والمجتمع العالمى، وإن تبين بعد ذلك أن جمال عبد الناصر هو القائد الحقيقي لذلك التنظيم، وأن ناصر ورفاقه من شباب الضباط قد اتخذوا من اللواء محمد نجيب واجهة لهم وقائداً اسمياً حتى يكتسبوا ثقة ومصداقية المجتمعين المصرى والدولى.
فى ذلك الوقت اهتم الرئيس اللواء محمد نجيب، والذى يُعد أول رئيس لمصر بعد الثورة، بتهنئة المواطنين المصريين المسيحيين وكذا أبناء الطوائف المسيحية الشرقية عامة بعيد الميلاد المجيد، حيث قال خطاباً تمت إذاعته من دار الإذاعة المصرية، أكد فيه الكثير من معانى المواطنة والوحدة والإخاء التى تربط بين المواطنين المصريين وبعضهم البعض على اختلاف انتماءاتهم الدينية.
وقد اهتمت الصحف بنشر خطابه آنذاك، ومن تلك الصحف على سبيل المثال جريدة (قارون)، وهى جريدة سياسية أدبية جامعة، أسبوعية صدرت فى مدينة الفيوم بصعيد مصر سنة 1924م لصاحبها زكى يوسف الفيومى (1892- 1971م)، والذى كان أديباً وصحفياً وعضواً بنقابة الصحفيين المصريين، واستمرت جريدته فى الصدور إلى أوائل التسعينيات من القرن العشرين تحت إشراف ابنه يوسف الفيومى.
فى عدد (قارون) الصادر بتاريخ السبت 17 يناير 1953م، نشرت الجريدة خطاب رئيس مصر آنذاك اللواء محمد نجيب، تحت عنوان "الدين لله، والوطن للجميع.. من تهنئة الرئيس فى عيد الميلاد.. أذيعت من دار الإذاعة"، حيث جاء فيه:
"إخوانى الأقباط، وأبناء الطوائف المسيحية الشرقي إنه ليسرنى، بمناسبة عيد الميلاد المجيد أن أقدم لكم وللمسيحيين فى البلاد العربية وغيرها أجمل التهانى بحلول هذا العيد، وأطيب التمنيات لكم بأعياد مقبلة سعيدة، يظلل العالم فيها الخير والبركة والسلام.
وإنى- إذ أتحدث إليكم، لأتمثل مريم البتول والسيد المسيح، عليهما السلام، وقد جاءا إلى مصر ونزلا بهذا الوادى الذى أراد الله له أن يكون منزلاً للرحمة والمحبة والتسامح.
ولقد عاش المسلمون والمسيحيون فى مصر بل أقول عاش المواطنون المصريون فى مصر على اختلاف نحلهم وطوائفهم إخواناً متحابين متعاونين لا يحدث بينهم إلا ما يحدث بين الأهل والإخوان فهم أبناء وطن واحد، تتجاور حقولهم ومساكنهم وأعمالهم، وقد اختلطت دماؤهم فى ميدان الجهاد فسقت أرض الوطن.
وإنى لأوصى مواطنى جميعاً، من مسلمين وأقباط بالتراحم والتواد والتعاطف، كما أوصيهم بضيوف بلادنا من أجانب.
إن المصريين جميعاً أبناء لمصر، وكل مصرى على وطنه عزيز، وكلهم فى محبة الوطن سواء".
كما نشرت جريدة (قارون) أيضاً جزءاً من رسالة البابا يوساب الثانى (1946- 1956م)، وهو البطريرك المائة والخامس عشر (115) من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحدث فيها عن معانى السلام والرحمة والبذل والتضحية، كما إنه امتدح شعار "الاتحاد والنظام والعمل" وهو الشعار الذى تبنته ثورة 23 يوليو آنذاك، مُبيناً أنها ذاتها مبادئ الكتب المقدسة.
قال البابا يوساب الثانى فى رسالته: "ذكرى الميلاد العجيب فى كل مظاهرها. ذكرى السلام والرحمة والبذل والتضحية والمجد والعظمة، ولن ينسى العالم تاريخ المذود لأنه تاريخ المعجزات الخالد فى سجل الدنيا، فقد تلاقى عنده الملوك والعظماء بالمساكين والفقراء، وتقابل ملائكة السماء بسكان الغبراء، ينشدون آية (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة).
ومن حسنات الزمن أن يهل عيد الميلاد على مصر وشعارها- الاتحاد والنظام والعمل، وهى مبادئ الكتب المقدسة والأنبياء الأطهار والمجاهدين المخلصين".
وإذا كان من المعروف أن قداسى عيد الميلاد المجيد وعيد القيامة المجيد يُذاعان حالياً من محطة الإذاعة، والتليفزيون، فضلاً عن بعض البرامج التى تتناول مظاهر العيد عند المواطنين الأقباط، كما أنه تقرر أن يكون عيد الميلاد المجيد، الموافق 7 يناير، عيداً وطنياً وإجازة رسمية لجميع المصريين وذلك بقرار أصدره الرئيس السابق محمد حسنى مبارك (1981- 2011م) فى ديسمبر 2002م..
فمن الجدير بالذكر أنه تحت عنوان "إذاعة القداس" قالت جريدة (قارون) عام 1953م أنه "أُذيع ليلة العيد المجيد قداس الميلاد من الكنيسة البطرسية بالقاهرة. وقام بالشعائر الدينية نيافة الأنبا توماس مطران الغربية والبحيرة وتولى شرح كلمة العيد جناب القمص جرجس إبراهيم الوكيل العام للبطريركية. وهذه أول مرة يُذاع فيها من محطة الإذاعة".