أكثر من ثلثي ساعة قطعها والد الشهيد، سامح عبد الفتاح، ما بين منزله في منطقة المليحة، التابعة لحدائق القبة، وحتى لجنته الانتخابية في مدرسة عاطف السادات بالقبة، كانت كافية لأن يستعيد ذكريات عامين مضيا منذ وفاة ابنه يوم جمعة الغضب. كان الحاج عبد الفتاح، 72 عامًا، يُحدِّث نفسه خلال رحلته التي قطعها صباح أمس للتصويت على الدستور "هقول لا على الدستور، علشان كله عيوب وفي حاجات كلها ضرر ولا تنفع تتصلح، هقول لا علشان الإخوان والسلفيين بيقولوا علينا كفرة".
تقاطع والدة الشهيد زوجها، وتضيف "وأنا هقول لأ علشان الشهداء اللي راحوا ما تغيرش حاجة بعدهم، وعلشان لسه في ناس بتهاجم الشباب اللي بيدافع عن البلد.. ما يسبوهم وبلاش يموتوهم ويحرقوا قلب أم على ابنها".
حلم عبد الفتاح أن يرى دستورًا مغاير "كان نفسي في دستور يهتم بالشباب وياخدوا فيه حقوقهم الاجتماعية والتعليمية ويكون فيه مساواة لكل الناس، كفاية كنا شايفين المرار ومش قادرين نتكلم".
في استفتاء مارس من العام الماضي صوت عبد الفتاح بنعم للتعديلات الدستورية "كنت عايز البلد تمشي خطوة، بس لقيتها رجعت لوراء 100 خطوة، وكله من العك بتاع الدستور الأول ولا الانتخابات".
استشهد سامح، 21 عامًا، في ميدان القبة خلال ليلة جمعة الغضب بعد أن حاول إنقاذ طفل صغير ضرب بالرصاص أمام قسم حدائق القبة، فكان جزاؤه رصاصة هو الآخر في البطن، مكث على إثرها أسبوعًا في العناية المركزة وبعدها مات. تتذكر والدة سامح تلك اللحظات والدموع لا تفارق عينيها "المرشد ومرسي لو مات لهم عيل كانوا اتقوا الله فينا وفي عيالنا إللي ماتت، وماكنش في نقطة دم تاني نزلت، لكن نقول إيه ..حسبي الله ونعم الوكيل".
في انتخابات الرئاسة الأخيرة اختارت والدة سامح المرشح السابق، حمدين صباحي في أول جولة وفي جولة الإعادة "ما رحتش أصلاً، لا ده كان عاجبني ولا ده كان عاجبني".
يسرع الحاج عبد الفتاح قليلاً في خطواته، آملاً في اللحاق بلجنة الاستفتاء قبل الازدحام، يستمع لزوجته باهتمام شديد "مهما كان الظالم له يوم، لو الناس اللي ماتت دي دمها عل البلد، كنت هبقى مستريحة لكن مفيش جديد وكله زي بعضه".
يقطع حوار الزوجة أحد أصدقاء الحاج عبد الفتاح "رايح تصوت"؟ سؤال جاءت إجابته سريعة جدًا من عبد الفتاح "بلا طبعًا"، فامتعض صديقه "ليه ده الدستور كله خير"، "الخيره فيما اختاره الله"، كلمة أنهت اللقاء سريعًا بين الصديقين.
تقترب الرحلة من النهاية ويفترق الزوجان كلاً إلى لجنته، يدخل عبد الفتاح للإدلاء بصوته وهو يقول "لا لدستور الإخوان، لا لناس قعدت 80 سنة في الظل، فبتطلع اللي حصل لهم خلال الفترة دي علينا، طب الشعب ذنبه إيه".