فى الثانى والعشرين من الشهر الحالى، حلت الذكرى الأولى لوفاة الأديب المصرى ألبير قصيرى، أو أمير الكسل كما لقبوه، وهو واحد من أدباء قلائل حققوا شهرة واسعة، ونجاحا كبيرا برغم قلة إنتاجه، حتى أن بعض نقاد الأدب اعتبر كسله الإبداعى فلسفة خاصة، استخدمها كسلاح فى مواجهة الرأسمالية أو المجتمع الاستهلاكى الذى عاش فيه فقيرا، وانعكس هذا الكسل بوضوح على شخوص أعماله التى من أشهرها «شحاذون ومتعجرفون» التى ترجمها إلى العربية محمود قاسم بعنوان «شحاذون ونبلاء» وأخرجتها للسينما المخرجة المصرية أسماء البكرى. ولد ألبير لأب وأم مصريين من أصول شامية فى القاهرة عام 1913، والتحق بمدرسة الجيزويت، ثم عمل فى البحرية التجارية بين عامى 1939 و1943، ما أتاح له زيارة دول عدة منها أمريكا وإنجلترا، وفرنسا، وكان فى ذلك الوقت قد انضم إلى (جماعة الفن والحرية) التى أسسها جورج حنين، ولم ينسجم مع الأوضاع فى مصر بعد قيام ثورة يوليو 1952، فسافر إلى فرنسا وسكن الغرفة 58 فى فندق لا لويزيان بحى سان جيرمان دو بريه، وهناك تعرف على ألبير كامى، وجان بول سارتر، ولورانس داريل، وهنرى ميللر، الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما فى مقهى كافيه دو فلور، ورغم أنه كان يكتب بالفرنسية، فقد دارت أحداث معظم أعماله فى قاهرة الثلاثينيات وفى منطقة الأزهر تحديدا، ولكن بنفس ومذاق مختلفين عن نظيرهما عند أديبنا الكبير نجيب محفوظ، الذى تناول نفس المنطقة فى أغلب أعماله، ومن شدة مصريتها رأى البعض أن أعماله كتبت للقارئ المصرى الذى يعرف الفرنسية، وليس للفرنسيين الذين عاش بينهم. ترجمت مؤلفاته إلى 15 لغة، منها الإنجليزية والألمانية والإيطالية، وبعض النقاد قال إن ترجمته إلى العربية لم تكن على المستوى المطلوب، وقيل إن قصيرى لم يكن راضيا عن هذه الترجمة، واعترف مترجمه محمود قاسم بذلك فى مقالة نشرت بجريدة الحياة اللندنية تحت عنوان «هكذا ترجمته إلى العربية.. وأعتذر». فى 1998 فقد القدرة على الكلام إثر جراحة فى الحنجرة أجراها بسبب إصابته بالسرطان، وكانت ناشرته الفرنسية «جويل لوسيفد» التى كانت تحبه وترعاه حتى موته هى همزة الوصل بينه وبين العالم نظرا لأنه كان يرفض الاختلاط بالآخرين، ورغم أنه عاش طويلا فى فرنسا لم يحاول الحصول على الجنسية الفرنسية. ومن المفارقات، أنه كان يتغلب على احتياجاته المعيشية بمساعدة بعض أصدقائه من الكتاب أو الفنانين التشكيليين الذين كانوا يهدونه لوحاتهم مجانا، فكان يبيعها ويستفيد بثمنها. من الجوائز التى حصل عليها «جائزة الأكاديمية الفرنسية للفرانكفونية عام 1990، وجائزة البحر المتوسط عام 2000، وجائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005». مات ألبير على فراشه كما رغب صباح الأحد 22 يونيو من العام الماضى عن 94 عاما وترك لنا سبع روايات أشهرها «كسالى الوادى الخصيب» و«العنف والسخرية» و«بيت الموت الأكيد» ومجموعة قصصية بعنوان «بشر نسيهم الرب» وديوان وحيد هو أول أعماله بعنوان «لسعات».