•الركاب يرفضون دفع التذكرة كاملة لأنهم يجبرون السائق على التوقف فى كل قرية
•يعمل بالنظام الميكانيكى اليدوى ..وطريقه اتجاه واحد ..ويميزه عن قطارات الفيوم جرار أمريكى يتصدر مقدمته
لا يختلف قطار الفيوم عن أى قطار متوجه إلى الصعيد سوى فى عدد عرباته التى لا تتجاوز الخمس على أقصى تقدير،فهو قطار لا يعرف السرعة، وينتظر عبور القطارات السريعة أكثر مما يسير، ونظام تشغيله ميكانيكى يدوى يعتمد على عمال البلوكات يبدأ منذ اللحظة التى يترك فيها مدينة الواسطى.
أهالى الفيوم طالبوا بتشغيل قطارات سريعة تربط بينهم وبين عدة محافظات، وبعد فترة طويلة استجابت الهيئة العامة للسكة الحديد، وقامت بتشغيل 6 رحلات جديدة لثلاثة قطارات أحدها ينطلق من رمسيس للفيوم، والعكس، وآخر ينطلق من رمسيس لبورسعيد والعكس، وثالث ينطلق من الفيوم للإسكندرية والعكس.
الفيوم التى لا تصلها أى قطارات مكيفة وتكتفى بالقطارات المطورة والمميزة التى أضيفت أخيرا، لا تبعد عن القاهرة سوى 90 كم تقريبا، تقطعها سيارة الميكروباص فى ساعة واحدة ولا تتجاوز أجرتها 10 جنيهات، وتتوافر سياراتها فى عدة مواقف بين ميدان الجيزة والمنيب وميدان الرماية، فيما يقطع القطار الرحلة فى أكثر من ساعتين، نظرا لاختلاف خط السير، فقطار الفيوم يغادر أولا على خط الصعيد حتى مدينة الواسطى، وبعد ذلك يبدأ فى الدخول على تفريعته التى تعتبر خط اتجاه واحد لا يسمح بمرور أكثر من قطار واحد فقط.
«الشروق» عاشت الرحلة داخل القطار رقم 1110، فى ثانى رحلاته بعد اصطدام رحلته الأولى بقطار آخر السبت الماضى، والتى اسفرت عن وفاة 3 أشخاص وإصابة العشرات.
القطار الذى انطلق من محطة مصر فى الساعة 3:45 عصرا لم يصل إلى الفيوم سوى فى السابعة والربع مساء، رغم أن موعده وصوله الطبيعى قبل الساعة السادسة بقليل.
يجلس أحمد طالب التجارة بجامعة حلوان على رصيف رقم 9 بمحطة مصر منتظرا قطار الفيوم، فهى المرة الاولى التى يركب فيها القطار بعد أن قام شقيقه بإنهاء إجراءات الاشتراك فيه لتوفير النفقات، أحمد لا يزال يدرس بالفرقة الثانية ويقيم بالمدينة الجامعية، ولأنه كثير السفر إلى منزله بالفيوم لم تجد الاسرة انسب من الاشتراك له فى القطار الذى لا يكلفهم سوى 48 جنيها فقط طوال فترة الدراسة.
اللوحات الالكترونية الموجودة ببهو محطة مصر تعلن عن مواعيد القطارات، باللغتين العربية والانجليزية، لكن قطار الفيوم لا يظهر اسمه على اللوحة أو حتى على الرصيف الذى سيقلع منه، رغم كونها تضم مختلف مواعيد القطارات التى تغادر المحطة حتى الثامنة مساء، لكن يبدو أن المسئولين نسوا إضافته على المواعيد، مثلما نسوا إخبار العاملين بتشغيله فى أول يوم عمل له.
بداية الرحلة
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة والنصف عصرا، موظفو الاستعلامات بالمحطة مشغولون بتناول الطعام فى مكتبهم، بينما كان المسافرون يتوافدون على الارصفة المختلفة، متوجهين إلى قطاراتهم التى وصل بعضها فى موعده، فيما انتظر البعض الآخر قطاره المتأخر.
على الرصيف 10 وقف قطار الفيوم، حيث وصل إلى مكانه قبل دقائق قليلة، قطار صغير مكون من 5 عربات يتقدمها جرار أمريكى ضمن الجرارات التى تم إدخالها فى السنوات الماضية للهيئة، وقف السائق بجانب باب الجرار منتظرا سماح إشارة السنافور له بالعبور.
استفسارات كثيرة من المسافرين عن وجهة القطار الذى يشاهده البعض للمرة الاولى، وبعد أن يضيق السائق بالاستفسارات يردد خط السير بشكل اوتوماتيكى عندما يسأله أى مسافر قائلا: «ده قطار الفيوم، بيقف الجيزة والواسطى بس»، يسأله طالب جامعى «مش هتهدى حتى فى الواسطى يا اسطى» يرد السائق سريعا «لا».
ثم يبدأ فى الشرح ده قطار سريع وجديد ومختلف عن باقى القطارات بتاع الفيوم، لأنه مبيقفش غير فى الواسطى والفيوم بس، ويعتبر قطار مميز علشان كده الجرار اللى فيه أمريكى، وفى نفس الوقت تذكرته غالية عن باقى قطارات الفيوم اللى بتطلع من محطة الجيزة وأم المصريين، وتبدو على وجه السائق جمال عبدالقادر علامات الفخر وهو يذكر الجرار الامريكى الذى حظى به القطار بديلا عن الجرار القديم الذى تتحرك به غالبية قطارات الفيوم.
دقائق قليلة، ووصل إلى الرصيف المجاور قطار 164 القادم من الاسكندرية ومستكملا مسيرته إلى أسوان، والذى يتبعه قطار الفيوم فور التحرك، كما قال السائق للمسافرين.
الاستعداد للرحيل
اللون الأصفر على إشارة السيمافور جعل السائق يفتح باب الجرار ويستعد للرحلة.
انطلق القطار من محطة مصر بصوته المرتفع، ليسير بسرعة كبيرة، قبل أن يتوقف لدقائق فى محطة إمبابة ثم يستكمل مسيرته للجيزة، بينما بدأ كمسارية القطار فى قطع التذاكر للمسافرين حيث كانوا يسيرون إلى جوار بعضهم البعض، فيما فضل بعض الشباب الذهاب للعربة الاخيرة أملا فى عدم دفع الأجرة.
ياعم اسكت بقى، بتلقائية وحدة رد خالد على صديقه محمود الذى قال بمجرد تحرك القطار هو ده القطر اللى عمل الحادثة، الشابان فضلا الوقوف على الباب رغم خلو مقاعد القطار، الذى لم يتعد ركاب كل عربة فيه 10 افراد، بعضهم فضل تمديد قدميه على كرسى آخر ووضع حقائبه على كرسى رابع، والبعض الاخر فضل أن يجلس بجوار الشباك، لكن هذا الوضع لم يدم طويلا.
وصل القطار لمحطة الجيزة التى كانت مكدسة بالركاب، احاط العشرات بعربة سائقه، يسألونه هل ستيوقف أو يقوم بالتهدئة فى مركز العياط، كانت الإجابة فى البداية، لا، لحظات قليلة وركبوا جميعا القطار، بينما ظل البعض الآخر مترددا حتى بدأ القطار فى مغادرة المحطة وقفزوا فى اللحظات الاخيرة.
تجمع ركاب العياط فى العربة الاخيرة والتى امتلأت مقاعدها عن آخرها، فأمين الشرطة الذى يوجد على رصيف المحطة نصحهم بالركوب فى العربة الاخيرة، بينما بدأ الكمساريون رحلة قطع التذاكر مرة اخرى من المحطة الجديدة ولكن هذه المرة من آخر عربة.
هى صعبة يعنى، هنفش الهوا، الله يرحمه السواق بتاع اول امبارح اللى كان راكب القطر اللى عمل حادثة، مرضيش يقف بردو، وعند مع الناس، فراحوا شدوا الهوا، وهو زود السرعة، فالناس شدت الهواء فى عربية تانى واضطر فى الآخر انه يوقف صحيح بعد المحطة بشوية بس وقف، هكذا حكى لهم أمين الشرطة، الذى اعتبر أن وقوف القطار وتهدئته فى العياط لينزلهم بالقرب من منازلهم، ضرورة حتمية.
مهمة الكمسرى فى قطع التذاكر من الجيزة كانت شاقة، فركاب العياط لا يقطعون تذاكر، يبرز بعضهم بطاقات اشتراكات الطلبة، وبعضهم يحمل كارنيهات الشرطة، وآخرون يطلبون قطع نصف تذكرة لأنهم سينزلون فى منتصف الطريق، والكمسارى غير قادر على قطع نصف تذكرة إلى مركز العياط، لأن القطار غير مقرر له الوقوف فيها.
بعد خروج القطار من محطة الجيزة فى الرابعة وخمس دقائق توقف بمنطقة المنيب مع نهاية شريط المترو لنحو 15 دقيقة، إشارة السيمافور أعطت اللون الاحمر للسائق، واستمرت حمراء مدة طويلة، ما دفع بعض الركاب للنزول من القطار والوقوف على الارض فى انتظار لحظة التحرك.
هندفع كام
فى الطريق نشبت عدة مشادات بين الكمسارى وبعض المسافرين حول قيمة الأجرة، شاب من مدينة الواسطى رفض دفع اربع جنيهات ونصف الجنيهلمدينته، مؤكدا للكمسارى أن قطار الفيوم لا تتجاوز تذكرته 2 جنيه وانه يسافر به كل صباح ويعود معه، فيضطر الكمسارى لقطع نصف تذكره له ويعتبره «عسكرى»، وهى أقل تذكرة يمكن قطعها بالقطار.
أمام قرية طموه التى تبعد عن مدينة الحوامدية كيلوات قليلة، توقف القطار مرة اخرى، فالإشارة أيضا حمراء، لكن السائق بعد مرور نحو 10 دقائق قرر السير والإشارة مغلقة، بينما استكمل القطار رحلته بسرعة كبيرة نسبيا تجاوزت 80 كم فى الساعة أحيانا.
قبل الوصول لمدينة العياط بدأ القطار فى تخفيض سرعته شيئا فشيئا، فى المسافة ما بين الكوبرى العلوى والمحطة حتى توقف تماما لنحو نصف دقيقة كان جميع ركاب المدينة غادروا فيها القطار، ثم انطلق مرة اخرى مستكملا مسيرته.
واصل القطار رحلته لمدينة الواسطى بسرعته الطبيعية لكن سرعته قلت من جديد أمام قرية الرقة نظرا لوجود إصلاحات بالطريق، وتحويله إلى طريق مفرد يمر منه قطار واحد فقط، ليعود بعدها للسير بسرعته مرة اخرى حتى وصل إلى مدينة الواسطى فى الخامسة والنصف مساءا ودخل على رصيف 5 المخصص لقطارات الفيوم.
نزل السائقان والكمسارية من القطار، سلموا مهمتهم لزملائهم، وتمنوا لهم السلامة فى الطريق، وانطلق بعدها القطار فى الجزء الثانى من رحلته، تاركا الطريق الزراعى وخط الصعيد، متوجها للسير على خط حديدى اتجاه واحد، عبر خلاله عدة تحويلات، وتجاوز طريق القاهرةاسيوط الزراعى مقتحما طريق احاطت به الزراعات فى البداية، والرمال الصحراوية قبل نهايته بقليل.
خلو القطار
غادر السواد الاعظم من الركاب ولم يبق فى القطار سوى ما يقرب من 20 راكبا، غالبيتهم من الطلبة والموظفين بينما لم يركب من المحطة سوى شخصين أو ثلاثة فحسب، فيما اطلق القطار صفارته العالية معلنا استعداده لاستكمال الرحلة، حيث لم يمكث فى المحطة أكثر من 10 دقائق.
«احنا هنتكلم بس بلاش اسامينا علشان فى ناس زمايلنا بعد الحادثة اتحولوا للتحقيق علشان اتكلموا مع الصحافة بدون وجود إذن من الهيئة»، رفض أحد السائقين ذكر اسمه خلال حديثه مع «الشروق»، مشيرا إلى أن الخط يعمل بالنظام الميكانيكى اليدوى، وهو طريق اتجاه واحد.
وأضاف قائلا: «الطريق بنظام خلوات السكك، بمعنى انه فى كل نقطة فى قرى الروس، الناصرية، سيلا، العدوة، العامرية، يتم التأكد من خلو الطريق أمام القطار حتى المحطة التالية، وقبل قيامه من محطة يتم التنسيق بينا وبين المحطة اللى بعدها، فإذا كانت السكة فاضية يسمحوا له بالعبور ويركن أى قطر تانى فى مكان التخزين».
هناك إجراءات أمن يتم اتباعها لضمان عدم وجود قطارين على نفس الخط، كما قال السائق، من بينها اسطوانة يتم تسليمها للسائق بكل محطة من المحطات التى يوجد بها تخزينه، وبدونها لا يمكن للسائق أن يتحرك.
ساعة فى الانتظار
دقائق قليلة بعد تحرك القطار من الواسطى حتى توقف فى محطة كوم أبوراضى، حيث استمر وقوفه لمدة ساعة فى انتظار عبور القطار المقابل، كانت المنطقة المحيطة بالقطار يخيم الظلام عليها، بينما لم تضأ أى من عربات القطار التى يفترض انها تضم عددا كبيرا من لمبات الإضاءة.
«محدش بياخد غير نصيبه»، كلمات رددها أحد الركاب على زميله الذى يرغب فى مغادرة العربة الاولى خوفا من ملاقاة نفس مصير الذين وجدوا فى الرحلة الاولى للقطار، وظل الحديث وديا حتى تجمع كل ركاب القطار فى العربة الأولى لمعرفة سبب التوقف.
من باب القطار يمكن ملاحظة عامل التحويلات وهو يقوم بفتح السكة انتظارا للقطار القادم من الناصرية، بتغيير وضع 4 من العلامات ليفتح السكة للقطار القادم، غرفة التحويلات لا يوجد بها سوى عامل واحد فقط، وتضم 4 هواتف يدوية قديمة، بالإضافة إلى ورقة مدون بها أرقام تليفونات العاملين على الخط فى البلوكات المختلفة والمشرف عليهم.
«نعمل بنظام 12 ساعة ونحصل على راحة لمدة 24 ساعة، والمفترض أن نكون اثنين أو ثلاثة، لكننا بنبدل ونريح بعض وكفاية واحد يبقى موجود»، يقولها عامل التحويلة الذى يقضى يومه فى انتظار عبور القطارات، بينما يخلو المكان الذى يجلس فيه من أية احتياطات أمنية لسلامة المكان والعامل فيه، لا يوجد به طفايات حريق أو أى طريقة اخرى للتواصل غير الهواتف القديمة التى يتصل احدها بمحطات الفيوم وآخر بالواسطى وثالث بالمنيا ورابع بالقاهرة.
«القطار ده كان المفروض يبقى معاده راجع من الفيوم الساعة 6:45 واحنا دلوقتى داخلين على 6:30 ولسه واقفين، بينا وبين الفيوم ساعة إلا ربع مثلا»، بينما تذمر الركاب من الانتظار كان القطار المقابل يعبر بسرعة بجوار القطار المنتظر بهدوء.
عاد القطار لاستكمال مسيرته، نحو 30 دقيقة كانت تفصله عن الفيوم التى وصلها بعد السابعة بقليل، الإضاءة غير كافية بالطريق، غالبية المزلقانات التى عبرها لم يوجد فيها عمال، مما اضطر قائده إلى استخدام آلة التنبيه بكثرة، ليقطع بصوته الهدوء الذى يحيط بحركة القطار.
جلس اشرف واضعا يده اسفل رقبته إلى جوار الشباك منتظرا أن يصل إلى بلدته، بينما كان ينتقد المسئولين لتركهم القطار بهذه الصورة والتأخير الذى يعانى منه، معلنا توبته عن ركوب القطارات للقاهرة مرة اخرى، حيث فضل أن يجرب القطار الذى تحدث عنه ابناء بلدته ووصفوه بالسريع الذى يمحو معاناه السفر بالقطار المطور.
اقتراب الوصول
عبر القطار المحطات الرئيسية بسرعة هادئة، تسلم خلالها السائق الاسطوانة التى تدل على خلو الطريق، انزل السائق أحد زملائه أمام مجمع البترول الموجود فى مدينة العدوة بعد أن قام بتهدئة السرعة إلى اقل درجة ممكنة، فيما ظلت سرعته متوسطة.
وصل القطار إلى الفيوم، لكن عرباته لم تصل إلى الرصيف، فسائقه اكتفى بوصول الجرار للرصيف ليترك الركاب بباقى العربات ينزلون على الشريط الحديدى أو يسيرون بداخله حتى يصلوا للعربة الأولى لعدم قدرتهم على النزول مباشرة للشريط الحديدى.
غادر الجرار الامريكى عربات القطار، وبدأ فى عملية الدوران ليتم تركيبه خلف العربات، وأصبحت العربات الخلفية فى مقدمة القطار أثناء رحلة العودة للقاهرة التى تأخرت عن موعد انطلاقها أكثر من ساعة، بينما لم يركب القطار سوى ثلاثة ركاب، سيدتان من مدينة الواسطى وأمين شرطة متوجها لعمله بالقاهرة.
مهمة شاقةمهمة الكمسرى فى قطع التذاكر من الجيزة كانت شاقة، فركاب العياط لا يقطعون تذاكر، يبرز بعضهم بطاقات اشتراكات الطلبة، وبعضهم يحمل كارنيهات الشرطة، وآخرون يطلبون قطع نصف تذكرة لأنهم سينزلون فى منتصف الطريق.