هناك تغيير اجتماعى اقتصادى مهم يحدث فى الصعيد هذه الأيام بفعل أزمة الوقود. بعض الصعايدة عادوا مرة أخرى إلى استخدام الفرن البلدى و«الكانون». كثير من الأسر الصعيدية حتى تلك الأقل من المتوسطة كانت قد هجرت الفرن البلدى لان فرن البوتاجاز صناعة محلية صار أسهل وأفضل فى عملية» الخبيز»، كما انه لا يتكلف أكثر من 300 جنيه.
هو فقط يحتاج لانبوبة بوتاجاز، ولان الأخيرة صارت من السلع النادرة، وتحتاج قتالا ونقودا كثيرة، فقد اكتشفت بعض الأسر ان العودة للوسائل التقليدية مفيدة وأقل تكلفة.
الذين لجأوا إلى هذا الحل اكتشفوا ان لديهم وقودا جاهزا، صحيح انه مغرق فى التقليدية، لكنه يحل المشكلة. الفلاحون الذين يزرعون الذرة «الرفيعة والشامى» كانوا فى الماضى السحيق يستخدمون أعواد الذرة وحطب القطن وقودا للفرن البلدى.
كان كل فلاح إما ان يجمع هذه الأعواد أمام حقله على الترعة «الوحسة»، أو فوق سطح منزله، وإذا كان الفرن البلدى يستخدم للخبيز بأنواعه «الشمسى والبتاو» ،فان الكانون كان يقوم بدور البوتاجاز، أى للطبيخ أو تسخين المياه، خصوصا ان اسرا كثيرة كانت قد توسعت فى استخدام انابيب البوتاجاز فى سخانات الحمامات. الكانون لا يحتاج إلا لحجرين متقابلين أو مجموعة قليلة من الطوب فوقهما «رقعة» وقليل من البوص أو الحطب.
فى السنوات الماضية كان الفلاحون يحرقون «البوص والحطب» فى حقولهم لانهم لم يعودوا بحاجة لهم، ومايزال البعض يفعل ذلك حتى الآن خصوصا هذه الأيام التى تصادف موسم حصاد الذرة.
الان عاد البعض بفعل الفقر إلى اكتشاف وجود ثروة طبيعية هى البوص والحطب والفرن وأحيانا «الكانون».
لكن ظهرت هناك مشكلة طريفة وهى ان الافران البلدى كانت موجودة فى البيوت القديمة، أما تلك البيوت التى تم بناءها مؤخرا بالأسمنت والحديد المسلح، فقد ظن اصحابها ان الفرن البلدى انقرض إلى غير رجعة وبالتالى لم يتركوا له مساحة، ومعظم البيوت فى الماضى كانت تبنيهذة الافران البلدى فى الدور الأرضى بجوار «حظيرة البهائم» أو فوق السطوح.
البيوت الحديثة التى بنيت وتم تقسيمها على أساس شقق سكنية مستقلة تعانى المشكلة الأكبر فى هذا الصدد. ولذلك نشأت ظاهرة جديدة الان هى قيام ثلاثة أو أربع بيوت متجاورة فى الغالب من عائلة واحدة ببناء فرن مشترك تقوم كل أسرة «بالخبيز» فيه يوما محددا أسبوعيا.
الأسرة المكونة من عشرة أفراد تحتاج إلى حوالى ثمانى أنابيب بوتاجاز شهريا لزوم استهلاك البوتاجاز وسخان دورة المياه وفرن الخبز، وإذا كان متوسط سعر الانبوبة فى السوق السوداء التى صارت هى السوق الرئيسية خمسون جنيها فان هذه العائلة تحتاج 400 جنيه شهريا من أجل الانابيب فقط.
بعض الخبثاء من كبار السن ومعارضى الإخوان يقولون ان ترك المشكلة كى تصل إلى حدها الأقصى هو ان يتقبل الناس فى النهاية فكرة ترشيد الدعم وتوزيع الكوبونات لان المواطن الذى صار يشترى الانبوبة بخمسين جنيها لمدة أكثر من عام سوف يتقبل شراءها رسميا بثلاثين أو أربعين جنيه فى ظل الكوبونات تطبيقا لنظرية «الحاخام والخنزير».
أحد هؤلاء سألنى هل من المنطقى أن تترك كل أجهزة الدولة الوسطاء وتجار السوق السوداء يتاجرون علنا فى الانابيب يأخذونها من المستودع بثلاثة جنيهات ونصف أو حتى خمسة جنيهات ثم يبيعونها بأسعار فلكية تصل أحيانا إلى مائة جنيه؟!.
هذا الشخص لديه يقين ان مافيا الوقود بكل اشكاله واسعة وكبيرة وتضم خليطا واسعا وليس فقط بعض فلول الحزب الوطنى وربما بينهم البعض من المحسوبين على اهل الحكم!.