في زيارة لن تتكرر كثيرًا، حضر المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، إلى مصر في جولة تفاعلية، قدم خلالها ندوة عامة في مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، لمناقشة الأحداث العالمية والربيع العربي، بحضور المئات من الطلاب والشباب وجمهور من مختلف الأعمار.
بدأت الندوة في تمام الساعة السابعة مساء الثلاثاء، بمقدمة تعريفية عن تشومسكي، العالم في علم اللغويات والأستاذ الجامعي في (MIT) معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومحلل سياسي بارع، اهتم بشؤون العرب والشرق الأوسط وعلاقتهم بأمريكا وإسرائيل.
بدأ تشومسكي، ندوته بالحديث عن أهم المخاطر التي تهدد العالم في الوقت الحالي، ورؤيته للملايين الذين يموتون من أطفال بسبب الصراعات العالمية والحروب الباردة، ساردًا بعض هذه التهديدات مثل "التغيرات المناخية" خلال العقود القادمة؛ "حيث أثبتت دراسة علمية أن التغيرات المناخية سوف تؤدي إلى وفاة حوالي 100 مليون شخص"، كما تطرق في حديث مطول إلى "الحرب النووية" والصراع على الأسلحة النووية بين الدول الكبرى، ردًا على اعتبار البعض أن إيران تمثل خطرًا وتهديدًا بسبب الأسلحة النووية، وهو ما اعتبره ليس تهديدًا بجانب التهديد الذي تمثله أمريكا وإسرائيل على العالم.
استغرق المفكر الأمريكي في سرد تاريخ أمريكا النووي وصراعاتها على مر العصور وموقف الرؤساء الأمريكيين من الشرق الأوسط، وإحكام السيطرة عليه وعلى مصادر الطاقة والوقود الحفري، وتعامل حكام أمريكا مع الموقف، مثالاً على ذلك الحرب العراقية- الإيرانية، والتي انتهت عام 1989 وقام الرئيس الأمريكي جورج بوش – الأب- باستضافة مهندسين نوويين عراقيين إلى أمريكا، مشيرًا إلى "بوش الأب"، بالمحترم، ساخرًا من بوش الابن.
وعن الضغط الدولي على إيران بسبب الصراعات النووية، ذكر تشومسكي، أن مصر كانت في مقدمة الدول التي تقود هذا الضغط منذ عام 1995، وبسؤاله عن الحل لهذه الأزمة، قال: "دعونا نحصل على مكان خالٍ من الأسلحة النووية وستنتهي المشكلة".
وتحدث تشومسكي، عن قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي تفرض بها سيطرتها على العالم، مشيرًا إلى أن هذه القوة بلغت قمتها بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك تراجع بالتأكيد، "ولكنها لازالت تسيطر على ثلاثة أرباع السوق العالمي"، وأضاف أن "الشرق الأوسط يظل دائمًا في تطلعات الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما كان هناك مخططًا من واشنطن للتحكم في معظم العالم والشرق الأقصى".
وفي ذات السياق، أشار "نعوم" إلى أن قوة أمريكا تأتي من امتلاكها قوة عسكرية واقتصادية هائلة، وامتلاكها أكبر شبكة اقتصادية في القطارات والطائرات والطرق السريعة في رعاية وتحت مظلة "البنتاجون"، موضحًا "يتمركز الاقتصاد حاليًا في أمريكا وأوروبا وبعض الدول الغنية فقط، وعدد محدود من الأطراف"، مقارنًا الاقتصاد الأمريكي والأوربي بأن البنك المركزي في الولاياتالمتحدةالأمريكية يحظى بتقدمية على البنك الأوروبي.
وفي تعليقه على الربيع العربي الذي شهدته البلدان العربية في العام 2011، أوضح أن الشائعات عن تدخل أمريكي لإحداث هذه الفوضى، "لا يوجد لدينا مستندات أن لها دور فيه"، مبيّنًا أنه بالنظر إلى الأحداث خلال السنوات الماضية كانت تنبئ بهذا الربيع العربي.
"إن الهياكل الديكتاتورية في معظم البلدان بما فيها مصر هي التي جعلت الحكام على مخاوف من المطالبة الشعبية، وأما الغرب، فإن الأنظمة الديكتاتورية هي الأهم بالنسبة لهم"، مضيفًا تشومسكي "إن أمريكا يمكن أن تدعم الديمقراطية فقط التي تتماشى مع مصالحها الإستراتيجية".
وتطرق في حديثه إلى الحريات المجتمعية وثورة 25 يناير، قائلاً: "عندما يخرج المحكومين عن الانصياع تنهار منظومة الحكم، وهذا ما رأيناه في ميدان التحرير، ومن الضروري أن نعيد التفكير في ما أطلق عليهم الحكام (العامة الجهلاء)، واعتبارهم لا يستطيعون التدخل في الإدارة والسياسة"، فقد ثبت عكس ذلك بسقوط الحكام وقت مشاركة المحكومين في الحكم والقرار السياسي.
جدير بالذكر، أن العديد من الشخصيات العامة، كانت حاضرة اليوم في لقاء المفكر العالمي نعوم تشومسكي، من بينهم المهندس إبراهيم المعلم- رئيس مجلس إدارة الشروق، والسيد عمرو موسى- الأمين السابق لجامعة الدول العربية، والكاتب الدكتور جلال أمين، والكاتبة أهداف سويف، وغيرهم، وسط حضور إعلامي وجماهيري مكثف.