لم يقتبس الواقعية السحرية فى رواياته من عميدها جابريل جارثيا ماركيز، ولكنها كانت حصاد العمر الذى تماهى معه، منذ كان صغيرا تزوره فى منامه شخوص الحكايات الفلكلورية التى كانت تطرق مسامعه ليل نهار فى قريته الصغيرة، هذا هو «مو يان» الصينى الذى توج بقبعة نوبل الأنيقة هذا العام، ليضع بلاده على خارطة هذه الجائزة التى اتجهت إلى أقصى الشرق ووطأت أرض بلاده أخيرا فى فرع الأدب.
فرغم أن جو زينجزجيان الذى حاز نوبل عام 2000 كان صينى المولد إلا أنه كان حاصلا على الجنسية الفرنسية، وحتى بيرل باك التى حصلت عليها عام 1938، حسب حيثيات الجائزة آنذاك «لتفاصيلها الغنية والملحمية الواقعية لحياة الريف الصينى» إلا أنها فى الواقع كانت أمريكية الجنسية.
هلوسة.
بحسابات نوبل المراوغة والضاربة بعرض الحائط للتوقعات دائما جاء فوز مو يان ،المولود عام 1955، ومع ذلك فإن احتكار القارة الأوروبية لنصيب الأسد فى جوائز آداب نوبل على مدار 7 سنوات متتالية،جعل من المتوقع إلى حد بعيد أن تغادر الجائزة هذه القارة، وإن كانت بوصلة التكهنات آنذاك تفتش عن اتجاه زحف الجائزة الجديد، فطرقت أبواب أسماء كبيرة فى عالم الأدب ارتبطت لسنوات طويلة بقائمة المرشحين ولكن دون تتويج لها فى النهاية، وعلى رأسهم أديب اليابان الكبير هاروكى موراكامى، حتى جاءت النتيجة لصالح مو يان بأغلبية 9 أصوات من اللجنة القائمة على الاختيار معلنة فى حيثياتها منحها إياه لما فى أعماله من «واقعية ممزوجة بالهلوسة».
«الذرة الحمراء» بالعربية
«واقعية» مو يان التى تحدثت عنها اللجنة، وجدت طريقها إلى عالمه الأدبى، فقبل أن يكون كاتبا فهو ابن أسرة تعمل فى الفلاحة التى امتهنها هو الآخر بعد ان اضطر لترك مدرسته وهو طفل فى عمر 12 عاما، ليكمل بعدها تعليمه فى الجيش، وصدر أول كتاب له عام 1981 الذى حقق شهرة مدوية آنذاك بعد أن تحول إلى فيلم سينمائى عن روايته Hong gaoliang jiazu «الذرة الحمراء» التى استوحاها من أحداث غزو اليابان للصين عام 1930 وما ارتبط بها من قصص المقاومة الصينية، وعنوان كتابه الأشهر هذا كفيل بأن يحيلك إلى خريطة هذا الرجل الفكرية ونقاط إلهامه التى بدأت فى الحقل بلون الصين الشيوعية، وهى الرواية التى ترجمت إلى العديد من اللغات، وأخيرا قرر المركز القومى للترجمة إصدار الترجمة العربية لهذه الرواية نهاية الشهر الجارى التى سيقوم على ترجمتها الدكتور حسنين فهمى.
«يكتب عن حياة الفلاحين، حياة الناس وكرامتهم، انتصاراتهم أحيانا، وهزائمهم المتتالية»، يقول السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية عن مو يان، فى حين ذهب أستاذ الأدب الصينى، ومترجم أغلب أعمال مو يان إلى الإنجليزية، هاورد جولدبلات إلى مقارنته بشارلز ديكنز معتبرا أن كليهما قدم كتابات كبيرة وجريئة بأسلوب مزهر ومحلق ورصين بجوهر أخلاقى وقيمى مميز، على حد ما نقلت عنه صحيفة الجارديان البريطانية، وأشار إلى روايته الساخرة Jiuguo «جمهورية النبيذ» التى اعتبر أنها «أكثر رواية مجددة ومتطورة قرأها فى الأدب الصينى بأسره»، وأن روايته Shengsi pilao «الموت والحياة يبلياننى» هى «أسطورة ممتدة مذهلة».
كتاب السلطة
فوز «مو يان» اعتبر فى الصين بمثابة استفتاء عالمى على تقدم الصين الثقافى وقياس لمدى نفوذها فى العالم وتكريم للغة الصينية،واعتبرت الصحف الصينية فوزه «عملا تاريخيا غير مسبوق».
ورغم هذا الموقف الرسمى المحتفى بالفوز إلا ان ثمة اعتراض وعدم ترحيب واجهوا فوز مو يان من جانب المعارضة فى بلاده، وهو ما جعله يصرح عقب الفوز عن أمله فى أن تفرج السلطات الصينية عن مواطنه ليو كزيابو المعارض، الذى منح جائزة نوبل للسلام عام 2010، رغم رفضه التعليق فيما سبق عن اعتقال عدد من النشطاء والمعارضين وهو ما اعتبر آنذاك تقاعسا من الأديب الكبير لكونه مقربا من السلطات الصينية وترقى داخل صفوف جيشه، وهو ما عقب عليه وقتها «الناس الذين يهاجموننى لم يقرأوا كتبى» وتابع «لو كانوا فد قرأوها لعلموا المخاطرة الكبيرة التى كنت أقوم بها آنذاك، فقد تعرضت فيها للنقد الحاد من الحزب الشيوعى نفسه الذين يزعمون أننى مقرب منه».
ولكن تصريحات مو يان لم تلق ترحيبا رغم ذلك فى صفوف المعارضة الصينية التى لم يرجح لديهم كفة الانتماء لوطن واحد كفة فوزه بنوبل، وغلب عليهم الدافع المعارض لما اعتبروه انحيازا من جانبه للنظام الحاكم غير الديمقراطى الذى يتعسف تجاه معارضيه، وذهبوا إلى أبعد من ذلك بإنكار أن يكون مو يان أول صينى يحصل على الجائزة، معتبرين أن الأول كان الأديب الصينى المعارض للنظام جاو زينججيان الذى حصل عليها عام 2000 حتى وإن كان حاصلا على الجنسية الفرنسية، وكذا المثقف الصينى ليو كزيابو، الصادر بحقه حكما بالسجن 11 عاما بسبب مطالبته بتحقيق الديمقراطية فى الصين.