بداية العام الدراسي.. تعرف على سعر الذهب اليوم    اسعار البيض والفراخ اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024 في الأقصر    عبد العاطي يلتقي السكرتيرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة إسكوا    وزير الخارجية يلتقي كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار بغزة    وزير الخارجية يبحث مع مبعوث الأمم المتحدة الحل السياسي في سوريا    نبيل الحلفاوي يوجه رسالة ل إمام عاشور.. ماذا قال؟    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة المصري البورسعيدي والهلال الليبي في الكونفدرالية    موعد مباراة ميلان ضد إنتر في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    ساعات برندات وعُقد.. بسمة وهبة تكشف كواليس سرقة مقتنيات أحمد سعد في فرح ابنها (فيديو)    أحداث الحلقة 6 من مسلسل «برغم القانون».. القبض على إيمان العاصي وإصابة والدها بجلطة    الشيخ أحمد ترك لسارقي الكهرباء: «خصيمكم 105 ملايين يوم القيامة» (فيديو)    موجود في كل مطبخ.. حل سحري لمشكلة الإمساك بمنتهى السهولة    اليوم.. إسماعيل الليثي يتلقى عزاء نجله في «شارع قسم إمبابة»    نيكول سابا ومصطفى حجاج يتألقان في حفلهما الجديد    النائب إيهاب منصور: قانون الإيجار القديم يضر بالكل.. وطرح مليون وحدة مغلقة سيخفض الإيجارات    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    الإعلان عن نتيجة تنسيق جامعة الأزهر.. اليوم    قبل فتح باب حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. الأوراق المطلوبة والشروط    «الصحة»: متحور كورونا الجديد غير منتشر والفيروسات تظهر بكثرة في الخريف    حبس مهندس بالتعدي على سيدة بالسب وإحداث تلفيات بسيارتها بمدينة نصر    ليبيا.. رجل يسرق 350 ألف دينار من منزل حماته لأداء مناسك العمرة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب الأرجنتين    أسامة عرابي: لاعبو الأهلي يعرفون كيف يحصدون كأس السوبر أمام الزمالك    حبس تشكيل عصابي تخصص في تصنيع المواد المخدرة    ثقف نفسك | 10 معلومات عن النزلة المعوية وأسبابها    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    خبير: استخدام السيارات الكهربائية في عمليات تفجير عن بُعد أمر وارد    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    يوسف أيمن: جماهير الأهلي الداعم الأكبر لنا.. وأفتقد محمد عبد المنعم    عاجل- أمطار ورياح.. تحديثات حالة طقس اليوم الأحد    نقل آثار الحكيم إلى المستشفى إثر أزمة صحية مفاجئة    اليوم.. محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة بالمرج    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    احتفالية كبرى بمرور 100سنة على تأسيس مدرسة (سنودس) النيل بأسيوط    نتنياهو يدعو بن غفير وسموتريتش لمشاورات أمنية عاجلة    لماذا ارتفعت أسعار البيض للضعف بعد انتهاء أزمة الأعلاف؟ رئيس الشعبة يجيب    الموزب 22 جنيهًا.. سعر الفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    كلاسيكو السعودية.. الهلال يضرب الاتحاد بثلاثية معتادة    خالد جاد الله: وسام أبو علي يتفوق على مايلي ومهاجم الأهلي الأفضل    أحمد فتحي ل جماهير الأهلي: لن أنسى اللحظات العظيمة التي عشناها سويا    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    أزمة الزيوت وقطع غيار المولدات الكهربائية تهددان مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة    نشأت الديهي: الاقتصاد المصري في المرتبة ال7 عالميًا في 2075    صيادلة المنوفية تُكرم أبنائها من حفظة القرآن الكريم    نشأت الديهي: الدولة لا تخفي شيئًا عن المواطن بشأن الوضع في أسوان    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    اندلاع حريق بمحال تجاري أسفل عقار ببولاق الدكرور    خبير يكشف عن فكرة عمل توربينات سد النهضة وتأثير توقفها على المياه القادمة لمصر    الإليزيه يعلن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة ميشيل بارنييه    شاهد عيان يكشف تفاصيل صادمة عن سقوط ابن المطرب إسماعيل الليثي من الطابق العاشر    احذر تناولها على الريق.. أطعمة تسبب مشكلات صحية في المعدة والقولون    نشرة التوك شو| انفراجة في أزمة نقص الأدوية.. وحقيقة تأجيل الدراسة بأسوان    خبير لإكسترا نيوز: الدولة اتخذت إجراءات كثيرة لجعل الصعيد جاذبا للاستثمار    5 أعمال تنتظرها حنان مطاوع.. تعرف عليهم    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة إلى المحاكمات الجنائية لجرائم الثورة
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2012

صدر حكم محكمة جنايات القاهرة فى قضية العصر معلنا عن إدانة رئيس الجمهورية السابق ووزير داخليته بالسجن المؤبد، وبراءة جميع مساعدى وزير الداخلية من تهم قتل المتظاهرين، كما صدر حكم محكمة الجنايات فى قضية موقعة الجمل ببراءة جميع المتهمين، وقد لاقى كلا الحكمين فضلا عن أحكام البراءة الأخرى حالة عامة من خيبة الأمل لدى قطاع عريض فى الشارع المصرى، وهو ما يمكن إرجاعه إلى أسباب عدة. أهمها:

أسباب صدمة المجتمع:

أولا: أن من المتيقن أن بعضا ممن قضى ببراءتهم متورطون فى ارتكاب جرائم قتل الثوار السلميين، وعديد من الجرائم السابقة عليها، والتى كانت وقود الثورة، إذ الثابت أن الفترة السابقة على اشتعال نيران الثورة كانت تشهد افتئاتا جسيما على الحقوق والحريات، بلغ فى بعض الأحيان حدود جرائم القتل بالدم البارد كان ضحيتها العديد من المواطنين الشرفاء، ولا شك أن هذه الجرائم سواء منها السابق على الثورة أم اللاحق عليها لم تكن إلا بتدبير، أو أمر، أو علم، بعض الأيدى التى قضى ببراءتها أو بتواطؤ منها، إذ إن عقيدة المجتمع قد اتفقت على أن هذه الجرائم ما كانت لترتكب لولا أوامر صدرت من أكابر رؤسائهم الذين قدموا للمحاكمة وبرئوا منها، وبغض النظر عن مسئولية أى منهم على انفراد عن تنفيذ هذه الجرائم، فإن أحدهم أو بعضهم أو جميعهم هو من أصدر أو أصدروا الأمر بارتكاب هذه الجريمة، ومن هنا كانت الصدمة إذ جاء هذا الحكم مطهرا على خلاف الحقيقة لأيديهم من دماء المصريين.

ثانيا: أن المجتمع حبس أنفاسه إزاء أحكام البراءات التى صدرت فى الجرائم التى وقعت فى محيط الأقسام فى أثناء الثورة استنادا إلى قاعدة الدفاع الشرعى، ذلك أن ظاهر الحال يشهد بأن وقوع الجريمة فى محيط الأقسام من ضباط بداخلها يكشف عن أن الضباط كانوا فى أوضاع الدفاع الشرعى عن أقسامهم ما ينفى عن أفعالهم معنى الجريمة، إلا أن هذا الوضع كان يبرر من جانب آخر تهيئ المجتمع لمسئولية الضباط عن الجرائم التى ارتكبت بعيدا عن تلك الأقسام، على متظاهرين سلميين وأريقت فيها دماء بريئة، ولقد كان المجال الخصب لهذه المسئولية فى قضية العصر التى اتهم فيها رموز هذا النظام، ومن ثم فقد كانت خيبة الأمل بالغة عند القضاء ببراءة رموز وقر فى يقين المجتمع مسئوليتهم عن هذه الجرائم وتورطهم فيها من غير شك.

ثالثا: أن الفساد المالى والسياسى لم يكن ببعيد عن بعض من هذه الأسماء، فكانت تشهد ظواهر الحال أن البعض منهم كون ثروات طائلة من المال الذى تحوطه شبهة الكسب غير المشروع. وأن ذلك كان بمثابة مكافأة من النظام السابق على صنيعهم فى توطيد أركانه خصما من حقوق وحريات الأفراد.

رابعا: أن أحكام البراءة حملت رسالة مرعبة إلى المجتمع حاصلها، أن سياط السلطة الغاشمة مازالت رغم الثورة فى مأمن من العدالة، وهذا نذير سوء فى المقبل من الأحداث، فإذا كان فى وسع رجال الدولة القديمة أن يتواطأوا على إخفاء الأدلة فى جريمة العصر عن أعين ثورة وشعب بأكمله، فإذن ما ينتظر قابل الأمر مزيد من الجرائم بما يعنى استدامة عناصر الجريمة السياسية وقدرة رموز هذا النظام على طمس الحقائق ومواصلة سيرها نحو الاستبداد.

•هل عجز النظام القضائى المصرى عن تحقيق العدالة؟

والحقيقة أن المنطق القضائى الذى يتبناه المجتمع لم يصمد بحججه التليدة أمام هذه الآلام، ولا أمام تشوف الشعب وتشوقه إلى روح العدالة وبعث الطمأنينة فى نفسه إزاء المستقبل.

فإذا كان القضاء ينطلق من مسلمة أن الأصل فى الإنسان البراءة، ولأن يخطئ القاضى فى العفو خيرا له من أن يخطئ فى العقاب، ولأن يبرأ ألف مجرم خير من أن يظلم واحد بجريرة لم يرتكبها، كل ذلك لم يشفع لدى الرأى العام فى تبرير قبول هذا الحكم. ذلك أن اللحظة كانت لحظة حسم لتصفية ميراث ثقيل من الظلم، واستشرف فيها المجتمع المصرى متنفسا له من ماضٍ مؤلم، طامحا لبدء صفحة جديدة من العدالة، فإذ به يصدم فى عجز النظام القضائى عن تحقيق العدالة.

لقد تعالت الأصوات مطالبة بمحاكمة استثنائية أمام محكمة ثورية تلبى طموحات الرأى العام، إلا أن هذه الدعوات هى الأخرى لم تلق قبولا بالنظر لما هو معلوم من أنها تكون على حساب العدالة، ومن ثم فهى وإن حققت الإدانة فإن ذلك سيكون على حساب الضمير العام إذ سيكون معلوما مقدما أن ذلك خصما من رصيد العدالة. وهو الأمر الذى كان دافعا لكاتب هذا المقال لأن يقف على رؤية قانونية تحقق عدالة المحاكمة ولا تفلت الجانى من العقاب.

المعالم الرئيسة للنظام الإجرائى المصرى

الحقيقة أن الأمر يقتضى الوقوف على المفردات الأساسية التى اعتنقتها المدرسة التى اتبعها النظام الإجرائى المصرى، ومعلوم للكافة أن النظام الإجرائى المصرى مأخوذ من النظام اللاتينى المتبع فى فرنسا وإيطاليا حتى فترة قريبة، ويقوم هذا النظام على العناصر الآتية:

أن الدولة هى الكيان المؤتمن على الدعوى العمومية، وأن أجهزتها بما فيها النيابة العامة هى التى تقبض على أدوات إقامة الدليل على الجريمة، وهى التى تستأثر بسلطة تحريك الدعوى الجنائية أمام القضاء، وأن القضاة المعينين من قبل الدولة هم من يستطيعون الفصل فى تقويم هذه الأدلة والقضاء بإدانة المتهم أو ببراءته، ثم تحديد العقوبة المناسبة للفعل فى ضوء ما ينتهى إليه قرار المحكمة. ويؤسس لهذا النظام فى الفكر الجنائى اللاتينى بأن الجريمة فى حقيقة الأمر لم تقع على المجنى عليه وحده وإنما وقعت على المجتمع بأثره، ومن ثم فهو الذى يحق له أن يمسك بناصية الدعوى الجنائية قبل المتهم ولو قعد المجنى عليه عن ذلك وأداته فى ذلك النيابة العامة.

وإذا كان هذا النظام قد عرف بعض الاستثناءات أقر فيها للمجنى عليه أن يباشر دورا فى تحريك الدعوى الجنائية فى ظل نظام الإدعاء المباشر، فإن هذا الدور ظل محددا، فاقتصر على سلطة تحريك الدعوى الجنائية فى بعض الجنح أو طلب التعويض من المحكمة الجنائية فى الجنايات، إلا أن هذا الاستثناء لم يكن يسلم له بأى قدر فى تحقيق الدعوى أو جمع الأدلة القائمة على الجريمة، ولا بأى دور اجتماعى لأفراد المجتمع فى تقرير الإدانة.

فى المعالم الرئيسية للنظام الأنجلوسكسونى

ويقابل هذا النظام، النظام الأنجلوسكسونى وهو السائد فى بريطانيا والولايات المتحدة، وهو نظام يقوم على أن الجريمة وإن كانت تمس من حق المجتمع فإنها فى حقيقة أمرها وقعت على المجنى عليه، وهو الطرف المضرور الرئيسى فيها، ومن ثم فإن له الحق الأكبر فى تحريك إجراءات الدعوى جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة، بل وتظهر حقيقة سلطته حال تقاعس أجهزة الدولة عن تحريك الدعوى فى مراحلها المختلفة.

ويخلص هذا النظام إلى النتائج الآتية:

1 حق المجنى عليه فى البحث عن أدلة الجريمة جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة، وهو لهذا له أن يستعين بشركات التحقيق الخاصة التى تتولى البحث عن الأدلة فى الجريمة لتباشر عملا قانونيا معترفا به ويمكن أن ينبنى عليه حكم الإدانة.

2 حق المجنى عليه فى تحريك الدعوى الجنائية استقلالا سواء أمام المحكمة فى القضايا البسيطة، أو أمام قاضى التحقيق فى الدعاوى الجسيمة.

3 علانية أعمال قضاة التحقيق «كأصل عام» أمام الجمهور بما يتيح للرأى العام مراقبتها، وأحيانا مساعدتها، بإمدادها بالأدلة اللازمة لإثبات الجريمة.

4 الفصل بين قضاء الإدانة، وبين الحكم بالعقوبة، فيختص المحلفون، وهم من الشعب يختارون وفق ضوابط موضوعية، ولكن بطريقة عشوائية، فتتحدد الطوائف الاجتماعية التى يمثل منها المحلفون سواء من حيث السن أو الجنس أو المهنة، ثم يأتى الاختيار بعد ذلك عشوائيا من بين هذه الطوائف، وتختص هيئة المحلفين بالفصل فى مسألة الإدانة من عدمها، فتفصل فى صحة وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها ومسئوليته عنها، بينما تتولى المحكمة إذا ما قضى بالإدانة، القضاء بالعقوبة المناسبة، ويمكن أن يؤسس لفكرة اختيار المحلفين من أبناء الشعب أن تكون سلطة القضاء مصدرها الشعب، فهو الذى يقر فى يقينه ويقين أبنائه ما إذا كان الفعل المنسوب إلى المتهم ثابتا فى حقه من عدمه، وحتى لا يحقق الحكم أى صدمة اجتماعية نتيجة عدم توافقه مع توقعات الشعب، ولا شك أن عمل المحلفين، وعلانية جلسات التحقيق، وهى التى تهيئ إلى توقع الحكم توقعا صحيحا بحيث تكون أدلته قد اختمرت فى الضمير العام وتشكلت ردود الأفعال عليها من خلال التعاطى فى تقويم قوتها وما يقوم على مناقضتها ويضعف من أثرها فى الإثبات، كل ذلك من شانه أن يُكَوِّنَ رأيا عاما ناضجا يصلح لتلقى الحكم الذى يتنبأه المجتمع بحسب الأغلب الأعم، ليكون دور القاضى بعد ذلك محدودا فى تقويم المسائل القانونية كأسباب الإباحة وموانع المسئولية وغيرها، وتقدير العقوبة المناسبة للعمل الذى أثبته المحلفون على المتهم.

ولقد كان هذا النظام دوما فى مصر موضعا للعديد من سهام النقد، فيقال عنه إنه يوكل أمر الخصومة الجنائية إلى غير المتخصصين ممن يغلب تعرضهم للتأثير العاطفى وقوة الرأى العام على قراراتهم، ويعدد البعض أحوالا كان فيها قرار هيئة المحلفين قد خالف حقيقة الواقع متأثرا بالاعتبارات العاطفية والوقوع تحت حبائل الدفاع وضجيج التأثير الإعلامى فى المجتمع، وغير ذلك من أسباب تؤثر فى حيدة قرار هيئة المحلفين عن جادة الصواب، والحق أن ما يقال من نقائض هذا النظام يصدق وبذات الدرجة على النظام القضائى الذى تتبعه النظم الآخذة عن النظام اللاتينى، وقد يزيد عليها بعيب الانغلاق، إذ إن العزلة الدائمة التى تفرضها التقاليد القضائية على القضاة قد تؤدى إلى ابتعادهم عن نبض الحياة فى الوطن على نحو يحول دون تلبية الشعور العام للمجتمع بالعدالة، وهو ما ينال من الثقة العامة فى المجتمع والعدالة، ولعل هذا السبب هو الذى برر لنظام عتيد يعد من الركائز الأساسية للنظام اللاتينى، وهو النظام الإيطالى، لأن يتحول تحولا دراماتيكيا صوب النظام الأنجلوسكسونى عندما أصدر القانون رقم 447 بتاريخ 16 فبراير سنة 1988 متبنيا العناصر الأساسية للنظام الأنجلوسكسونى، معليا من حق المضرور فى الجريمة فى مشاركة مجتمعه فى البحث عن أدلتها، ومقرا له بحقه فى توجيه الخصومة جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة الرسمية، ومعليا كذلك من حق المجتمع فى المشاركة فى عملية المحاكمة الجنائية سواء بالمراقبة أثناء مرحلة التحقيق، أو المساهمة فى تقرير الإدانة من خلال نظام المحلفين، ثم إتاحة الفرصة أمام جهات التحقيق لأن تتفاوض مع بعض الجناة قصد الكشف عن أدلة أخرى ومجرمين آخرين فيما يعرف باتفاقيات الحماية القضائية، وقبول معاملة تفضيلية للجناة الذين يعترفون بجرائمهم.

مقترحات تطوير النظام القضائى المصرى

إذ كان الأمر كذلك، وكان البين للرأى العام فى هذه الفترة المفصلية الحرجة أن التقوقع حول مفردات النظام اللاتينى يعد خصما من مصداقية النظام القضائى الجنائى، فضلا عن انه يعد إلى حد بعيد عاجزا عن بلوغ غايات النظام الجنائى، ومن ثم فإننا نرى وجوبا إعادة النظر فى هذا النظام برمته لاختيار أوفق الحلول القانونية التى تحقق الرضا العام وتوثق مصداقية القضاء فى الوطن، إلا أننا نقترح على وجه العجل، وبصورة لا تحتمل الإرجاء إصدار تشريع لمحاكمات الثورة يتبنى مفردات النظام الأنجلوسكسونى، ويكون قوام ذلك العناصر الآتية:

1 إنشاء نظام قضاة التحقيق وفقا لأسس التحقيق العلنية التى يتاح فيها للجمهور المشاهدة الحية لأعمال التحقيق، ومتابعة إجراءاتها منذ باكورة أعمالهم.

2 السماح للجمهور بالمشاركة بتقديم ما لديهم من أدلة، سواء أكانت شهادات أو مقاطع تصويرية، أو أعمال خبرة، أو غيرها مما يساهم فى تضامن أبناء المجتمع فى حشد الأدلة على الاتهام، ويمكن تنظيما لذلك أن تكون هذه المساهمات بناء على طلبات تقدم إلى قضاة التحقيق العلنى تسجل فى دفاتر معدة لذلك، ويكون رفض سماع الدليل أو الحرمان من طرحه مقرونا بقرار مسبب يبين فيه القاضى عند تصرفه فى الدعوى سواء بالإحالة أو الحفظ سبب رفض سماع هذا الدليل.

3 تمكين قضاة التحقيق العلنى من إجراء مفاوضات سرية مع بعض المتهمين يدلى بمقتضاها المتهم باعترافات عن متهمين آخرين ويكون من شأنها كشف أدلة لم تكن معلومة من قبل سواء تعلقت بجرائم أخرى، أو بذات الجريمة، ويكون ذلك لقاء اتفاق ملزم من المعترف يخوله الحماية القضائية من مسئوليته عن الجريمة التى ارتكبها واعترف بها.

4 تخويل المتهم المعترف بجريمته معاملة عقابية أخف من المتهم المنكر، ويكون لقاضى التحقيق العلنى الحق فى إبرام تعاقد معه يحدد مقدار هذه المعاملة العقابية الأخف منظورا فى هذا الاتفاق مقدار خفاء المعلومات التى اعترف بها المتهم عن أجهزة التحقيق.

5 أن يكون لقاضى التحقيق العلنى أن يصدر أمرا إما بحفظ الدعوى (وهو ما يعرف قانونا بألا وجه لإقامة الدعوى)، وإما بإحالتها إلى هيئة المحلفين، ويحدد لها الواقعة القانونية التى تدعى إلى الفصل فيها.

6 تتشكل هيئة المحلفين فى جرائم الثورة من عدد فردى نرى أن رقم (19) يكون أوفق لما له من اتساع عددى يسمح بتضمينها عددا كبيرا من المحلفين يكون أقرب للتعبير عن الرأى العام، وإذا كان نظام المحلفين بحسب الأصل يكون من كل أبناء الشعب دون تمييز، فيحسن فى هذه التجربة الوليدة أن يقتصر تشكيلها على الجامعيين من تخصصات مختلفة تتسع لتشمل رجال القانون والطب والهندسة والجيش والشرطة والزراعة ورجال الصناعة والرأسماليين وغيرهم، ولا بأس بأن يكون اختيارهم فى أول الأمر انتقائيا من عناصر مشهود لها بالحيدة. وتختص هيئة المحلفين إما بتقرير إدانة المتهم من حيث المبدأ أو براءته، فإذا قررت إدانته فإنها تحيل الدعوى إلى قاضى الحكم الذى يتولى الفصل فى مسألة وجود سبب إباحة أو مانع مسئولية ثم يتولى تقدير العقوبة فى ضوء العناصر العامة لذلك.

فإذا أثبت هذا النظام نجاحه فى هذه التجربة المحدودة، فإن ذلك يصلح لأن يكون سندا لتعديل شامل لقانون الإجراءات الجنائية، بما يحقق أهداف النظام الجنائى فى العدالة الناجزة.

والله الموفق والمستعان..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.