أصبحت ذكرى النصر فى شهر أكتوبر من كل عام بمثابة "الموسم" لبعض الوجوه التى باتت معروفة للجمهور، الذى أصبح النصر يمثل له "الرصاصة لا تزال فى جيبى"، وبعض الأغانى الحماسية، لتظهر على الشاشة تحكى نفس الحكايات عاما بعد عام، ولكن، وبعد 39 موسما لهؤلاء، ووسط الجو الوطنى المنتظر "من السنة ل السنة".. يظل هناك دوما "المهمشين". خاطئ من يظن أن النصر هم هؤلاء القيادات والأشخاص المتصدرة للمشهد والمعارك التى كان لها النصيب الأكبر من الحكايات، فوراء الكواليس يوجد الآلاف ممن ضحوا بأرواحهم حتى تكتمل صورة النصر، أشخاص لم يطلبوا سوى النصر أو الشهادة، ليثأروا لإخوانهم فى 67.
حاولت "بوابة الشروق" تسليط الضوء على نماذج ل"المجند الذى كان من حظه- السعيد- أن يؤدى فترة خدمته العسكرية، منتظرا قرار الحرب والاشتباك مع العدو فى أى لحظة"، ليخرج من الخدمة مثالا لقوله سبحانه: "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنه من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا"، صدق الله العظيم.
أبو بكر شرف – ذاكرة مقاتل "من الإبرة للصاروخ" "لما شفت الرسالة فرحت إن حد فكر فى الناس دى"، ففارق التوقيت بين الرسالة والرد دقائق معدودة، أكد فيها "أبو بكر" أن مواصفات جندى المعركة "المهمش" تنطبق عليه بالكامل، لم يتردد لحظة ليحكى تجربته التى ما زالت فى الذاكرة، وكأن ال 39 عاما الماضية لم تكن كافية لمحو مشاهد المعركة.
أبو بكر شرف- 62 عاما- تم تجنيده فى الجيش المصرى، بعد حصوله على المؤهل المتوسط، عام 1971، ليخرج منه عام 1975 بعد استكمال علاجه من الإصابة التى تعرض لها يوم 19 أكتوبر 1973، وتنتهى علاقته بالجيش منذ تلك اللحظه وحتى الآن.
شارك أبو بكر ضمن قوات الدفاع الجوى، "اللوا 116 الكتيبة الرابعة- صواريخ"، وحصل على تدريبات فى روسيا على أحدث أنواع الصواريخ وقتها، سام 6، ودرس اقتصاد الحرب هناك هو وزملاؤه، ليتمكنوا من تحقيق أقل خسارة فى الجيش المصرى، وإلحاق أكبر ضرر فى قوات العدو.
أصيب المجند، بكر، يوم 19 أكتوبر عند محاولات طائرة إسرائيلية اختراق المجال الجوى، أدت إلى كسر فى فكيه، وتم ربطهما واستمر العلاج عامين، قدم له الجيش كافة المساعدات العلاجية.. وكانت هذه هى آخر ما كان يربطه بالعسكرية، ليخرج ويكمل دراسته ويحصل على بكالوريوس التجارة، ولم يتبق له سوى ذاكرة ينقلها لأبنائه وأحفاده.
يحكى بكر عن أهم المواقف التى مر بها، أصعبهما والأكثر تأثيرا فى نفسه يوم العبور، الذى كان مفاجأة لهم فى الكتيبة، مؤكدا أن نجاح المعركة حدث نتيجة التزام "السرية التامة"، فلم تكن هناك أنباء "مباشرة" عن إعلان الحرب والقتال، والتزمت كل وحدة فى الجيش بتنفيذ مهامها الخاصة، واصفا مشهد العبور بال"مهيب"، واليوم المنتظر لجميع الشعب المصرى لاسترداد الكرامة.
المجند إبراهيم عبد الله "قوات جوية" .. تحت قيادة اللواء "حسنى مبارك" بعد أن كان جزءا من النصر العظيم، انتهى الأمر بأن يعمل "مدرس لغة عربية" خارج أرض الوطن، فى إحدى الدول العربية الشقيقة.
هو المجند العسكرى، إبراهيم عبد الله بدر، من مواليد 1946، كان حظه أن يدرس فى المعهد الفنى لمهن الطائرات عام 1970، تخصص لاسلكى ورادار هليكوبتر، ونظرا للظروف وقتها فتم تخريج الدفعة بعد 18 شهر فقط، لينضموا إلى فريق التدريب وقتها على فنون الحرب الجوية.
وصف بدر فترة ما قبل الحرب ب"المعاناة ما بعدها معاناة"، مشيرا إلى أنه لم يكن من السهل على أى فرد فى البلد من الجيش أو الشعب أن ينسى مشهد انسحاب الجيش فى 67 دون أى اختبار ومواجهة للعدو، "فكان معاناة التدريب من أجل يوم مثل 6 أكتوبر".
يروى بدر الاجتماع الذى تم قبل الحرب بيومين، جمع كل أفراد اللواء والكتيبة، ولم يعرفوا أى تفاصيل سوى أنهم قد ينفذوا "مشروع"، لم تتحدد هويته" ومطلوب "الانضباط التام"، حتى جاءت الأوامر يوم 6 أكتوبر للطيران الهليكوبتر بالطيران "لقاعدة أبو صوير الجوية"، وهناك "فوجئنا بجيش آخر من قوات الصاعقة والقوات الخاصة فى الانتظار نقلهم خلف خطوط العدو".
"لا أحد يختلف على قيادة اللواء حسنى مبارك، قائد القوات الجوية"، فقد كان معروفا عنه الحزم والانضباط، بعيدا عن فترة رئاسته، لكن كل واحد له ما له وعليه ما عليه، فكان دائما ما يتابع سير التدريبات ليطمئن على سلامة الطائرات والقوات وكان الكل يخاف منه".
وعن أصعب المشاهد التى لا ينساها، هو مشهد العبور "لا يتخيله أحد، فكان المشهد منذ وصولنا لقاعدة أبو صوير الجوية غير عادى، والكل فى حماس واستعداد لمواجهة العدو واسترداد الكرامة المصرية".
جمعية المحاربين القدامى .. جرس ماحدش بيرد! إذا حاولت الاتصال برقم مقر الجمعية، من الصعب أن يرد عليك أحد، فعلى مدار أسبوع وأكثر، فقدنا الأمل فى التواصل مع جمعية "المحاربين القدامى وضحايا الحرب"، حتى أكد لنا أعضاؤها "أن الجمعية ما هى إلا كارنيه فقط .. ولا نحصل منها على أى خدمات".
وعلى عكس جميع الدول التى تعطى وضعا مميزا للمحاربين القدامى، يقول أبو بكر: "لا ليس لنا وضع خاص"، فمديرو الجمعية يخشون على منصبهم حارصين على ألا يدخلوا فى مشاكل مع الدولة من أجل تحقيق مطالب الأعضاء، كما يؤكد إبراهيم عبد الله، "من ساعة ما دخلت الجمعية ما شفناش أى حاجة منهم".
"احنا اتنسينا".. هذه هى أنسب جملة اتفق عليها جنود المعركة الحقيقين لوصف حالهم الآن، وبعد سنوات تدريب ومعاناة وحرب حتى يتحقق النصر، "ولكن ما يحدث لنا الآن من تهميش لا يجعلنا نندم على سنوات الحرب والإصابة ومشاهد الاستشهاد أمامنا ولحظة العبور، فنحن الذين عملنا من أجل الوطن لا من أجل المصلحة الشخصية، كما يحدث الآن".