تكتظ جدران قصر قديم في بنغازي شرق ليبيا بألوان ورسومات حولته إلى معرض مرتجل لفنانين باتوا يستفيدون من مناخات الحرية في ليبيا بعد الثورة، ليخطوا خطواتهم الأولى في الفن التجريدي. فمن خلال طلقات رصاص فارغة وأسلاك معدنية، صور الفنانون أشكالاً لجنود مجتمعين في باحة القصر، مقر الملك إدريس الأول، الذي أطاح به انقلاب عسكري في العام 1969 بقيادة معمر القذافي.
وتزداد الجدران برسومات زيتية ومنحوتات خشبية وتصاميم معدنية، تعيد الحياة إلى الجدران المسودة للقصر، جراء الحرائق التي أشعلها القصف على المدينة أثناء الثورة في العام 2011.
أما الواجهات البيضاء في الطابق الثاني، فهي مسرح لأعمال تجريدية تصل رمل الصحراء الأمغر، بمياه البحر الأبيض المتوسط الزرقاء.
ويقول علي إنسي، كبير الفنانين في المعرض: "أشعر أني متفائل، وأني ولدت من جديد"، شارحا أنه "أيام حكم القذافي، كان يجب على الفن أن يكون مباشرا ومحددا، لم يكن متاحا أن نمارس الفن التجريبي أو التجريدي، أو أن نعبر عن معانٍ كامنة أما الآن، فإننا نتمتع بالحرية والقدرة على التعبير والتجريب.
ويعمل هذا الفنان على غرار 12 زميلاً له في قصر المنار، الذي تحول إلى معرض ومشغل في وقت واحد، في مدينة بنغازي، ويعبق هذا المكان بالتاريخ، فمن شرفات هذا القصر، أعلن الملك إدريس السنوسي استقلال البلاد عن الاستعمار الإيطالي في العام 1951.
وتعد بنغازي الواقعة في الشرق الليبي وعلى ضفة البحر المتوسط، مهد الحركة الاحتجاجية التي أطاحت بمعمر القذافي. وهنا أيضا بدأ الرسامون الليبيون معركتهم ضد القذافي من خلال الرسوم الكاريكاتورية التي كلفت الرسام الشاب قيش الحلالي حياته.
ويقول النحات علي الوقواق: "الرسالة التي نحملها هي أننا استطعنا أن نوجد مساحة حية من قلب الركام"... ويضيف، "نريد أن نظهر للناس أننا نحظى اليوم بحرية فنية، أما في الأيام السابقة، فلم يكن متاحا ممارسة الفن إلا لتمجيد القذافي".
ومن ناحيته، يؤكد الرسام عبدالقادر بدر "في البداية، كنا كلنا نتحدث عن الثورة، لكننا الآن نحاول أن نحرك حس الفكاهة لدى الناس في هذه المدينة التي كانت الأحلام ممنوعة على سكانها".
أما محمد برناوي، البالغ من العمر 33 عاما، فتبدو لوحاته أكثر جرأة، إذ تشير إلى المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد في لوحة تحمل اسم "انتظار"، كما تشير إلى الحداد في لوحة عن "عريس شاب استشهد" أثناء الثورة... وهاتان اللوحتان تأتيان ضمن مجموعة من اللوحات التي تظهر الأشخاص الفاعلين في ثورة 11 فبراير.
ويقول برناوي "الفن التجريدي يشكل فرصة لصنع الجمال، ليس بالضرورة أن يكون هناك قصة تروى، لكن وراء كل لون تختبئ فكرة".