انتظر الإيرانيون ومعهم الكثير من شعوب العالم خطبة الجمعة الماضى للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الإسلامية على خامنئى على أمل أن يشعل شمعة أمل فى الوصول إلى حل للأزمة السياسية المتفاقمة فى إيران. ولكن جاء الخطاب لكى يبدد أى أمل فى حكمة القائد الأعلى للجمهورية الإيرانية. بدا خامئنى فى خطابه كمن لم يرى أيا من تلك الأحداث الدامية والمظاهرات الحاشدة التى تشهدها إيران منذ السبت قبل الماضى احتجاجا على إعلان فوز الرئيس أحمدى نجاد بفترة رئاسة ثانية، وبخاصة أنصار المرشح مير حسين موسوى الذين يؤكدون أن تلك النتائج مزورة. خامنئى أكد تمسكه بإعلان فوز نجاد وهدد المتظاهرين بعواقب وخيمة واتهم أعداء إيران بالوقوف وراء الأزمة الحالية، ولكنه بالتأكيد لن يتمكن من إعادة «الجنى الإيرانى إلى القمقم من جديد» على حد قول انطونى جوردسمان الباحث فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن. ويضيف جوردسمان فى مقال على موقع المركز إن خامئنى يكاد يكون الخاسر الأكبر فى تلك الأزمة مهما كانت النتيجة التى ستنتهى إليها. فالرجل عندما تولى منصبه الأعلى فى إيران لم يكن مؤهلا له من الناحية الفقهية. فقد كانت درجته فى العلم الشرعى هى «حجة الإسلام» وهناك من يفوقونه ويحملون رتبة «آية الله». وإذا كانت جدارة خامئنى كفقيه ظلت محل شك طوال 20 عاما تقريبا فإن مصداقيته الآن كقائد أصبحت أيضا محل شك كبير. وإذا كان خامئنى «قد فقد ظله» بين شعب يقرن ذكر أئمته الدينيين بعبارة «أدام الله ظله» فإنه بالتأكيد ليس الخاسر الوحيد فى الأزمة الراهنة، ولن يكون. فالقيادة الإيرانية كلها تقف الآن أمام الشعب الإيرانى والعالم كله منقسمة بصورة شديدة الوضوح، الأمر الذى سيؤثر على تناول الكثير من الملفات الداخلية والخارجية فى المستقبل. أما سيمون تيسدال فكتب فى صحيفة الجارديان البريطانية تحت عنوان «خامنئى وسياسات الإنكار» فقال إن خطبة الجمعة التى ألقاها خامنئى كانت مخيبة للآمال مثل الكثير من خطبه وأحاديثه فى الماضى، رغم الظروف الاستثنائية التى تمر بها إيران. ويضيف إن أخطر ما فى الخطبة هو أنها كشفت عن قصور كبير فى إدراك خامئنى لعمق الأزمة فى إيران التى فجر شرارتها بشكل أساسى ربيبه أحمدى نجاد عندما استفز المعارضة باستباق الإعلان الرسمى لنتائج الانتخابات السبت قبل الماضى وإعلان فوزه، ما عزز الاعتقاد بوجود تلاعب وتزوير لحرمان المرشح المنافس موسوى من الرئاسة. ويشير جوردسمان إلى أن خطبة خامئنى قطعت الطريق حتى على إمكانية خروج مجلس صيانة الدستور الذى تلقى شكاوى المعارضة من نتائج الانتخابات بأى قرار يمكن أن يهدئ من ثورة الشارع. فعندما يقول خامئنى إن الانتخابات خلت من التزوير وأن نجاد هو الرئيس الشرعى فمن غير المحتمل أن يقول رجاله فى مجلس صيانة الدستور عكس ذلك. وإذا كان المرشد الأعلى للجهمورية الإسلامية الإيرانية يسيطر على المؤسسة العسكرية والمؤسسة الإعلامية والشرطة والقضاء فإنه بالتأكيد فقد سيطرته «الروحية» على الشارع بعد أن فشل فى الحفاظ على دور «الحكم بين الفرقاء» فى هذه الأزمة وأظهر انحيازه إلى نجاد. ويقول تيسدال إن عجز خامنئى عن تقديم اعتذار أو حتى تعزية لأسر القتلى الإيرانيين الثمانية الذين قتلهم رجال الأمن والمليشيات الموالية لنجاد خلال المظاهرات التى شهدتها ايران خلال الاسبوع الماضى جاء ليسحب الكثير من رصيد الرجل لدى الشعب الإيرانى ويبعده عن المكانة التقليدية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية باعتباره المظلة الكبيرة للشعب الإيرانى. وإذا كان الخبراء أعربوا عن خيبة أملهم فى خطبة خامنئى فإن المدونات التى فتحت صفحاتها لمتابعى الشأن الإيرانى كشفت عن تنامى الرفض العام لمنطق المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الذى لم يجد سوى إعادة العبارات المحفوظة على مدى 30 عاما عن التدخل الخارجى والمؤامرة الصهيونية وأعداء الأمة لكى يفسر الغضب الشعبى فى شوارع إيران. ويقول أحد المدونين على موقع الجارديان إن تهديد خامنئى للمتظاهرين يعنى أنه يتحمل المسئولية كاملة عن أى ضحايا يمكن أن يسقطوا فى الاحتجاجات. فى حين اتفق عدد من المدونيين على موقع بى بى سى على استمرار الاحتجاجات حتى يتم إلغاء النتائج التى قالوا إنها مزورة. وكتب «بهروز» هو طالب من طهران يقول إن الجميع يعلم أن نجاد لم يحصل على 24 مليون صوت فى الانتخابات ولكن خامئنى كرر هذه الأرقام باعتبارها حقيقية دون انتظار لنتائج تحقيق مجلس صيانة الدستور، وهو ما يعنى أنه فقد حياده. ويضيف أن المعركة الدائرة حاليا هى بين خامئنى والرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رافسنجانى ولكن المستفيد الأكبر منها هو الشعب الإيرانى الذى يتجه بقوة نحو تأكيد حقه فى الممارسة الديمقراطية الحقيقية.