هل العالم العربى غير مهيأ للديمقراطية؟ تزعم فكرة نمطية بدائية أن بعض الشعوب العرب، والصينيين، والأفارقة لا تتوافق مع الديمقراطية. ويتخوف الكثيرون حول العالم من أن «سلطة الشعب» ربما تسفر عن فوضى على غرار الصومال، أو حرب أهلية على غرار العراق، أو قمع على النمط الإيرانى. وقد عزز الغرب هذه الرواية، ومعه للأسف، بعض القادة العرب والصينيين والأفارقة. ومع الضجة المثارة فى الشرق الأوسط الآن، دعونا نبحث التساؤل الخاطئ الذى يواجهنا: هل العرب غير ناضجين لدرجة أنهم لا يستطيعون ممارسة الديمقراطية؟ ويمثل هذا الهم مصدر القلق اليوم من واشنطن إلى الرياض. ولا شك أن هناك مخاطر: فقد أدت الإطاحة بشاه إيران، وصدام حسين فى العراق وتيتو فى يوغوسلافيا إلى قمع جديد وسفك دماء. وفى 1997، احتفل الكونغوليون بطرد ديكتاتور حكم طويلا، غير أن الحرب الأهلية منذ ذلك الحين شكلت أقسى أنواع النزاعات منذ الحرب العاليمة الثانية. فإذا صارت ليبيا كونغو أخرى، والبحرين تابعا لإيران، وسيطر الإخوان المسلمون على مصر، فربما ينتهى الحال بالمواطنين العاديين إلى التحسر على الطغاة السابقين. وكما أعلن الكاتب الصينى العظيم لو شون، عقب الإطاحة بسلالة كينج «قبل الثورة كنا عبيدا، والآن نحن عبيد العبيد السابقين». فهل يكون هذا مستقبل الشرق الأوسط؟ لا أعتقد ذلك. فضلا عن أن هذا النمط من التفكير يبدو لى مسيئا للعالم غير الحر. وفى الأسابيع الأخيرة، تأثرت بالرجال والنساء الشجعان الذين رأيتهم يواجهون قنابل الغاز أو الرصاص فى مصر والبحرين من أجل الحرية التى نعتبرها من المسلمات. فكيف نقول إن هؤلاء الناس غير مستعدين للديمقراطية وهم مستعدون للموت من أجلها؟ وبينما نحن الأمريكيين نتغنى بالحرية. يتحمل دعاة الديمقراطية فى الشرق الأوسط التعذيب على أيدى الديكتاتوريين حلفائنا ثمنا لنضالهم، غير أنهم يصرون على النضال. وفى البحرين قال سجناء سابقون إنه تم اقتياد زوجاتهم إلى السجون أمامهم. ثم قيل للرجال إن زوجاتهم سوف يتعرضن للاغتصاب فورا ما لم يعترفوا. ونتيجة لذلك أو للمزيد من عمليات التعذيب المعروفة إلى انتزاع اعترافات فى حينه، ولكن بعد عشرات السنين، يواصل هؤلاء النشطاء النضال من أجل الديمقراطية. ونتساءل عما إذا كانوا ناضجين بما يكفى لممارستها؟ ويظل القاسم المشترك للحركة من أجل الديمقراطية هذا العام من تونس إلى إيران، ومن اليمن إلى ليبيا، هو الشجاعة منقطعة النظير. ولن أنسى أبدا شخصا مبتور الأطراف قابلته فى ميدان التحرير بالقاهرة، عندما كان بلطجية مبارك يهاجمون المتظاهرين بالحجارة والهراوات وزجاجات المولوتوف. ودحرج الشاب كرسيه المتحرك نحو الصفوف الأمامية. ونحن نتشكك فى فهمه لما تعنيه الديمقراطية؟ وفى البحرين، شاهدت صفا من الرجال والنساء يسير أعزلا نحو قوات الأمن، فى حين كانت قوات الأمن قبلها بيوم قد أطلقت النيران بالذخيرة الحية على المتظاهرين. فهل هناك من يجرؤ على القول بأن هؤلاء الأشخاص غير ناضجين إلى الحد الذى يستطيعون فيه ممارسة الديمقراطية؟ ولا شك أنه ستكون هناك عثرات. فقد استغرق الأمريكيون ست سنوات بعد الحرب الثورية حتى ينتخبون رئيسا. وكدنا أن نتمزق تماما فى الستينيات من القرن التاسع عشر. وعندما تحولت أوروبا الشرقية إلى الديمقراطية بعد ثورات عام 1989، نجحت بولندا وجمهورية التشيك فى التكيف، لكن رومانيا وألبانيا تحملتا الفوضى لسنوات. وبعد سلطة الشعب الإندونيسى عام 1998، قابلت رجال عصابات فى جاوة الشرقية كانوا يذبحون الناس ويحملون رءوسهم على أسنة الرماح. ويوضح التاريخ أن الشعوب عادة تتعافى بعد بعض العثرات. ويساعد فى ذلك التعليم والثروة والعلاقات الدولية والمجتمع المدنى. وعلى المحك، تبدو مصر، وليبيا، والبحرين اليوم فى وضع أكثر استعدادا للديمقراطية من منغوليا أو إندونيسيا فى التسعينيات وتمثل منغوليا وإندونسيا اليوم نموذجين للنجاح. قبل أيام، زار ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الشرق الأوسط (وفى أثره تجار السلاح) واعترف صراحة بأن بلاده دعمت النظم الاستبدادية طويلا من أجل الاستقرار. وقد اعترف بأن بلاده خدعت بالفكرة المتعصبة القائلة إن «العرب والمسلمين لا يستطيعون ممارسة الديمقراطية» وأضاف: «أعتقد أن ذلك حكم مجحف يصل إلى حد العنصرية، وهو حكم عدائى وخطاء، وهو ببساطة غير حقيقى». ومازال الديكتاتوريون العرب وبوجه خاص فى السعودية ينشرون هذا الرأى، كما ينشره بالطبع القادة الصينيون وبالمثل الطغاة الأفارقة. ومن المحزن أن يتعاطف الغربيون مع هذا الرأى، لكن الأمر الأكثر إثارة للحزن أن يعلن القادة فى العالم النامى هذه الآراء المجحفة لشعوبهم. فى القرن الحادى والعشرين، ليس هناك بديل واقعى عن الوقوف إلى جانب سلطة الشعب. ويطرح البروفيسور وليام إيسترلى من جامعة نيويورك معيارا للتعامل بالمثل: «لا أؤيد الاستبداد فى مجتمعك إذا كنت لا أريده فى مجتمعى». ويجب أن تكون تلك نقطة البداية الجديدة بالنسبة لنا. لقد ذهلت من الشجاعة التى أشهدها، ومن التخلف والحمق القول بأن ذلك الشعب الذى يموت من أجل الديمقراطية ليس مستعدا لها.