هاري وميجان يعلنان موقفهما من الانتخابات الأمريكية    حرب غزة.. قوات الاحتلال تنكل بجثامين الشهداء الثلاثة في قباطية    الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خلال 12 شهرًا "تاريخي"    قناة مجانية لمشاهدة مباراة الزمالك والشرطة الكيني في كأس الكونفدرالية    بالأسماء| انتشال جثة طفل والبحث عن شقيقته سقطا في ترعة بالزقازيق    دعاء يوم الجمعة.. أفضل ما يقال للرزق والسنن المستحبة    الحكومة: تكلفة الأنبوبة 340 جنيهاً وكان من الصعب بيعها للمواطن ب100    رابطة الأندية تكشف سبب تأخر تسلم درع الدوري ل الأهلي    أمين الفتوى: لن تقبل توبة سارق الكهرباء حتى يرد ثمن ما سرقه    مقتل شاب على يد جاره في مشاجرة بدار السلام    موسم سيول شديدة.. الأرصاد تعلن توقعات فصل الخريف    مصرع شقيقين تحت عجلات قطار في المنيا بسبب عبور خاطئ للمزلقان    «زي النهارده» في 20 سبتمبر 1999.. وفاة الفنانة تحية كاريوكا    ترامب يثير الجدل بتصريحاته عن إسرائيل: أفضل صديق لليهود    صفارات الإنذار تدوّي في عدة مقاطعات أوكرانية وانفجارات ضخمة في كييف    قرار جديد من وزير التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي المقبل 2025    سياسي بريطاني يحذر من تصعيد خطير بشأن ضرب كييف للعمق الروسي    عبدالباسط حمودة: أبويا كان مداح وكان أجري ربع جنيه في الفرح (فيديو)    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    عاجل.. أزمة قوية داخل الأهلي بطلها علي معلول    مساجد شمال سيناء تعقد 53 ندوة علمية دعوية عن سيرة النبي    مصرع وإصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بسوهاج    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    الداخلية تكشف كواليس القبض على صلاح التيجاني    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    عبد الباسط حمودة: أبويا كان مداح وكنت باخد ربع جنيه في الفرح (فيديو)    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة: أجهزة الاتصال المستهدفة تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثائرة خلف النقاب
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 03 - 2012

الأعداد تتزايد فى طريقها إلى نقطة التجمع على سلالم نقابة الصحفيين فى تمام الساعة الرابعة عصرا. العديد من الوجوه النسائية المعروفة حاضرة وكذلك رموز بارزة فى حركات وأحزاب سياسية مختلفة. غابة من الكاميرات تحيط بالمكان ولا تترك مساحة حرة لأى تصرف تلقائى. على مقربة منى رجل لا أعرفه يمازح شابة عفية تتأهب للهتاف قائلا «لا داعى لهتافات ضد الرجال فقد جربتن العام الماضى النزول من دوننا ورأيتن ما حدث». انخلع قلبى، يشير صاحبنا إلى مسيرة النساء التى اتجهت لميدان التحرير فى مثل هذا اليوم من العام الماضى ونال المشاركات فيها من بذاءات المتطرفين وتعدياتهم ما نالهن. عن نفسى لم أشارك فى مسيرة العام الماضى، كنت لا زلت مفعمة بنقاء ثورى صَور لى حينها أن حقوق الوطن أولى من حقوق المرأة. اليوم اختلف الوضع، هناك هجمة شرسة من التيارات الدينية على حقوق النساء وتجاهل لها من المجلس العسكرى، فالمرأة التى شاركت فى الثورة من ألفها إلى يائها خرجت صفر اليدين. لم يكن لها وجود فى لجنة التعديلات الدستورية، وآحاد من النساء يشاركن فى البرلمان والحكومة، وأمينة المرأة فى حزب الأغلبية تصف المتظاهرات بأنهن أصحاب أجندات خارجية وتهدد فى عنجهية لم يجرؤ عليها الحزب الوطنى فى ظل جبروته بأن قومها سيصبحون أسياد المجلس القومى للمرأة وسيخرجون منه أعداء دين الله هكذا مرة واحدة. سحل وكشوف عذرية ومحاكمات عسكرية للنساء ومجتمع ظالم يلتمس العذر للجانى ويخطئ الضحية، وجمعية تأسيسية على الأبواب يتحكم فى تشكيلها النواب الذين يستعيض بعضهم عن صورة المرأة بزهرة. فكيف إذن لا أشارك أنا أو غيرى فى مسيرة 8 مارس إحياء لليوم العالمى للمرأة؟

فى الساعة الرابعة والنصف يبدأ تحرك المسيرة، اللافتات المرفوعة تعبر بدقة عن الهدف من التجمع وهو التمسك بمكتسبات المرأة والتأكيد على حقها فى المشاركة فى عضوية الجمعية التأسيسية. لذلك وجدنا لافتة تحمل السؤال التالى «ليه عاوزين تلغوا القوانين اللى صاغوها مش فاسدين؟»، وأخرى تنفى تهمة التبعية للنظام السابق بالقول «إحنا مش أولاد سوزان، دى مش حجة يا إخوان»، وثالثة تطالب بالإسهام فى تشكيل نظام ما بعد الثورة كما يلى «لينا حق ولينا دور وعاوزين حقنا فى الدستور». كان هذا إذن هو حال اللافتات المرفوعة، أما الشعارات التى رددها المشاركون فذهبت كل مذهب، نددت بحكم العسكر ودعت لإسقاطه، وذكرت بحق الشهداء وأكدت على القصاص لهم، وكررت المطالبة بثلاثية الثورة الشهيرة أى العيش والحرية والكرامة الإنسانية، ورفضت التبعية لأمريكا ونددت بهروب المتهمين. كان تعدد الجهات المشاركة فى الحشد، من نقابات وحركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وكفاية وفصائل أخرى كثيرة، مبررا لهذا التشتت فى الهتافات فطالت المسيرة واكتظت بالمشاركين لكن خف فيها وزن قضية المرأة. بدأ القلق يداخلنى فجميع الشعارات المرفوعة لها مشروعيتها بالتأكيد لكن لا موضع لها فى هذه المسيرة، وأظن آخرين أيضا ساورهم القلق فحاولوا ضبط إيقاع الهتافات لكن دون جدوى.

●●●

قرب نهاية شارع طلعت حرب علا صوت نسائى جهورى هاتفا «بَلَا إخوان بَلَا سلفية.. المرأة فى التأسيسية والنسبة50%». استدرت أبحث عن مصدر الصوت فكان لدهشتى لسيدة منتقبة تميل إلى البدانة لكنها تتحرك فى خفة شديدة، تضع نظارة طبية فوق النقاب وتتدلى من كتفها حقيبة فضية اللون. الحماسة الشديدة التى كانت تهتف بها تردد صداها فى جموع السائرين فكرروا من ورائها الهتاف تلو الهتاف. وفى كل ما هتفت به هذه المرأة فإنها لم تفقد للحظة واحدة الخيط الذى انعقدت من أجله هذه المسيرة، نصرة قضايا النساء وإشراكهن فى كتابة الدستور. هكذا هتفت وكثيرون معها للمواطنة المتساوية بين المرأة والرجل «حق محمد زى فاطمة هى دى تبقى المواطنة»، وبين المرأة المسلمة والمرأة المسيحية «صوت المرأة طالع طالع م الكنايس والجوامع»، وبين المرأة المنتمية للتيار الدينى والمرأة فى مختلف التيارات السياسية الأخرى «إسمع إسمع يا بديع حق المرأة مش هيضيع». لأسباب مفهومة تحولت هذه المرأة فورا إلى قبلة لكل الكاميرات وآلات التصوير، وفقدت أثرها عدة مرات عندما كانت تنتحى جانبا لتدلى بحديث لهذه الصحيفة أو تلك القناة، لكنها كانت سرعان ما تلتحق بالمسيرة فألتقيها مجددا ويلعلع صوتها فى إصرار «لابسة صليب أو لابسة خمار اللى اتسحلت م الثوار».

استطاعت هذه المرأة القوية التى عرفتُ لاحقا أن كنيتها أم عبدالرحمن أن تنجح فيما فشل فيه آخرون فتوجه بوصلة المسيرة، أو على الأقل الدائرة المحيطة بها، فى الاتجاه الصحيح. حتى اللافتة البيضاء التى تشبثت بها لبعض الوقت ودافعت عنها وسط الزحام كانت لصبية فى الرابعة عشر من عمرها هى الشهيدة هدير عادل سليمان التى سقطت برصاص الغدر فى جمعة الغضب، وكأن أم عبدالرحمن تريد أن تقول إن المرأة حين تطالب اليوم بدور فى صنع الدستور فإن أحدا لا يمن عليها كما لم تمن امرأة على الوطن بالشهادة. كثيرات هن النساء اللائى صافحن أم عبدالرحمن بحرارة لافتة وعانقنها على امتداد المسيرة، وأتاح لى القرب منهن أن أرسم صورة أوضح للمرأة اللغز. هى ثائرة لم تبارح أرض الميدان طيلة ثمانية عشر يوما، لازمها أولادها الأربعة طول الوقت لأنه لا أحد يضمن ما يأتى به الغد. جاهزة للتظاهر فى كل حين حتى إذا صنع بعض شباب الإخوان حائطا بشريا يمنع المتظاهرين من الاقتراب من مجلس الشعب كانت هى فى طليعة المتقدمين ونالتها جراء ذلك ضربات. بدت لى أم عبدالرحمن امرأة واعية، شجاعة، تعرف بالضبط ما تريد، وهى اليوم 8 مارس تريد إثبات حضور المرأة فى كشف المواطنة. فيها خفة ظل فطرية بدت عندما سألتها شابة فى فضول إن كانت تعمل فأومأت برأسها قائلة: أستاذ مساعد فى المعهد العالى للدراسات المعدنية بين قوسين الفلزات، وجسدت معنى الاستثناء الكامل عندما التقت عند ميدان سيمون بوليفار مع فتاة أخرى منتقبة صغيرة الحجم تضع عصابة بيضاء على رأسها مكتوب عليها «مدنية.. مدنية».

●●●

تاهت منى أم عبدالرحمن للمرة الثالثة والأخيرة قرب نهاية المسيرة عند مقر مجلس الشعب، لكن المؤكد أنها كانت هناك فى المقدمة ترفع عقيرتها بالهتاف «صوت المرأة ماهوش عورة.. صوت المرأة ثورة ثورة»، ولا تستخدم الميكرفون إلا نادرا، تتحرك بثقة وحرية كأنها وحدها فى المكان مع أنها محفوفة بمئات، والأهم أنها تبعث برسالة طمأنينة لكل القلقين على مستقبل هذا الوطن ودور المرأة فيه، رسالة تقول إنه رغم هول ما نعيشه هذه الأيام، فإن الصدق مع النفس مثله مثل الأمانى ما زال أمرا ممكنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.