يتشكل الآن فى ميدان التحرير وفى كل أنحاء مصر من الإسكندرية حتى أسوان ملامح وعى جديد لمئات الآلاف من فئات الشعب المختلفة. فالذى يحدث فى مصر تجاوز المظاهرات الاحتجاجية التى دعت إليها حركات الشباب الفاعلة فى السنوات الأخيرة والتى دعت إلى الخروج يوم 25 يناير فتجاوبت معها الجماهير وخرجت أيام 25، 26، 27، 28 من يناير، إن ما حدث منذ يوم الجمعة 28 من يناير ليس مجرد تحول فى الحجم بل فى طبيعة الحركة التى أصبحت ثورة شعبية كبيرة لها زخم مازال قويا من شمال البلاد إلى جنوبها. ولميدان التحرير أهمية رمزية، لاشك عندى فى ذلك، إذ يقع فى قلب العاصمة ويشكل الآن بؤرة الاهتمام. إلا أن ذلك لا يجب أن يصرفنا عما يحدث فى كل مدن وأقاليم مصر: فى الإسكندرية، وفى السويس، الإسماعيلية، بورسعيد ودمياط ودمنهور والمحلة وكفر الشيخ وطنطا والمنصورة والزقازيق والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وأسوان وغيرها من المدن والبلدات والقرى التى تجرى فيها ملاحم كبيرة يشارك فيها الملايين. من يتكلم باسم هؤلاء الملايين؟ لا يحق لأحد أن يتجاهلهم أو يتحدث نيابة عن جزء منهم مسقطا الباقين، هم جزء كبير من الصورة ولا يجب تغافلها. هم قالوا كلمتهم ويقولونها كل يوم وعلينا الانصياع لهم. إذا كنا نريد أن نبنى مصرا جديدة فعلينا التخلص من آفة مركزية القاهرة ونمد يدنا للمدن والأقاليم الأخرى فهى مكون أساسى فى الصورة. ولكن ما هى ملامح هذه الصورة التى تتجلى فى ميدان التحرير؟ الرد على هذا السؤال أو التساؤل من شأنه على ما أظن أن يجيب عن السؤال الذى يطرحه المواطن المصرى العادى وأضع مائة خط تحت العادى لأنه لا يعنينى المسئول الذى يتساءل بخبث ودهاء «وماذا يريدون بعدما لبيت مطالبهم؟ ولا زبانياتهم ومنافقيهم وهم كثر يعنينى السؤال الصادق الذى يسأله كثير من المواطنين والمواطنات بشكل عفوى وصادق. فى ميدان التحرير وعلى مدى أكثر من ثمانية أيام الآن وهى ما أطلق عليها أيام الصمود مجتمع التحرير أو إن شئت «حالة» لمصر ما بعد 25 يناير. هناك الشعب ممثلا فى كل طبقاته حقيقية وليس مجازا. هناك الجميع سواسية: المرأة والرجل، الشاب والشابة والطفل، المثقفون ورباتت البيوت، الممثلون العمال وبعض رجال الأعمال، كلهم يقفون جنبا إلى جنب فى الصورة، باختصار كل الشعب هناك. الكل له دور يقوم به. هذا الشعب الذى هُمش دوره لسنوات وكتم صوته أو زورت إرادته فى جميع الانتخابات يسمع العالم صوته الآن. ازعم أنها صورة مصغرة لما نريده فى هذا الوطن، وطن لا يهمش أحدا، وطن تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية وهى أول شعارات هذه الثورة المجيدة. هل نفهم لماذا يصر من ذاق طعم الكرامة والحرية فى ميدان التحرير ألا يعود مرة أخرى إلا بعد تحقيق مطالبه؟ أشعر بالمرارة عند سماع كلام مثل «التفاوض» أو «المطالب» أو اختزال موقف «المتحررين» (أى الرابضين فى ميدان التحرير) إنهم يريدون «ضمانات» ألا ينكل بهم، ربما كل هذا به بعض من الحقيقة ولكنه من الظلم البين أن نقول للشعب الذى واجه بصدوره العارية السيوف والقنابل والحرائق و«بلطجية النظام» أنه يريد «الخروج الآمن»؟. ليس الشعب من يسعى للخروج الآمن، الشعب ذاق الحرية فى الميدان (وفى غيره من الميادين بامتداد الخريطة المصرية) ومن فعل ذلك لا يمكن أن يعود ليتنازل عنها ولا يحق لأى من كان أن يطالبه بذلك. كلنا كدة عايزين صورة