دونالد ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    فرص عمل وقرارات هامة في لقاء وزير العمل ونظيره القطري، تعرف عليها    رئيس شعبة الدواجن: مشكلة ارتفاع أسعار البيض ترجع إلى المغالاة في هامش الربح    عودة خدمات إنستاباي للعمل بعد إصلاح العطل الفني    جيش الاحتلال يوجه إنذارًا عاجلًا بإخلاء مبنى في شويفات الأمراء    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    عاجل - عمليات "حزب الله" ضد الجيش الإسرائيلي "تفاصيل جديدة"    بلومبيرج: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    "تم فرضهم عليه".. تصريحات صادمة من وكيل أحمد القندوسي بشأن أزمته مع الأهلي    طلعت منصور: شاركت تحت قيادة الجوهري في 3 أماكن مختلفة    اليوم.. محاكمة إمام عاشور في واقعة تعديه على فرد أمن بمول بالشيخ زايد    شبورة مائية كثيفة.. الأرصاد تحذر من الظواهر الجوية اليوم    حقيقة وفاة الإعلامي جورج قرداحي في الغارات الإسرائيلية على لبنان    وائل جسار يعلن علي الهواء اعتذاره عن حفله بدار الأوبرا المصرية    عاجل - توقعات الرد الإسرائيلي على هجوم إيران.. ومخاوف من ضرب مواقع نووية    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال ينسف مبان سكنية شمال مخيم النصيرات وسط غزة    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    «لو مكانك اختفي».. رسالة نارية من ميدو ل إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل مؤمن زكريا مع زوجته بعد تصدره «الترند».. والجمهور يدعو لهما    عمرو سلامة يختار أفضل 3 متسابقين في الأسبوع الخامس من برنامج «كاستنج»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    سعر الريال السعودي اليوم في البنك الأهلي عقب ارتفاعه الأخير مقابل الجنيه المصري    ميدو يكشف كواليس مثيرة بشأن رفض نجم بيراميدز الانتقال إلى الزمالك    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    وكيله الحالي: تصريحات قندوسي صحيحة وأسانده.. واستدعاء الأهلي اليوم جلسة وليس تحقيقًا    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غسان توينى: الذى كتب «نهاره» بحبر من نور
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 06 - 2012


من زمان غادر غسان توينى اليوم ليستقر فى الغد.

لا يسكن الأمس من كتب، على امتداد ستين سنة، بحبر من نور، وأحيانا من دم، افتتاحيات تساعد على تحديد الطريق إلى المستقبل.

ولا يغيب الموت من انتصر على وجع الفقد، مرارا، وأكمل الطريق وقد ازداد حكمة، فتعالى على الجراح، وأسقط شهوة الانتقام، مناديا الناس إلى حماية الوطن بدم شهيده شهيد «النهار» والصحافة العربية جبران توينى.

●●●

جعل غسان توينى من قلمه سيفا يشق قلب الخطأ، وأنار الوجدان بالرأى، ولو مختلفا عن السائد، متقبلا الرأى الآخر من موقع المحاور لا الخصم محتفظا بالعداء للعدو الذى لا عدو غيره: إسرائيل.

واجه الطغيان بشجاعة الفارس، وحول السجن إلى منصة لإدانة الجلاد، ومنارة لكشف مكامن الخطأ ومرتكبى الخطايا.

من العرب العاربة هو، نسبا، يباهى بأهله الغساسنة اليمنيين وسائر أبناء الجزيرة والخليج لأن «قبيلته» هى الأعرق، من دون أن يسمح للكيانيين من اللبنانيين بأن يذهبوا إلى معاداة العروبة وكأنها مصدر الخطر على لبنان وهى هويته... ربما لهذا ظل يميز دائما بين الموقف السياسى من نظام حكم ديكتاتورى وبين تأكيد الانتماء للأرض والتاريخ وحقائق الحياة.

وقف ضد الحكم العسكرى، فى لبنان كما فى أى بلد عربى آخر، لأنه ديمقراطى بالتكوين ثم بالدور وبالموقع: فهو رجل فكر وليست الصحافة ميليشيا تغتال العقائد والأفكار! وكيف يستطيع المتعصب ادعاء الوطنية إذا ما جعلها كيانية مغلقة على الاخوة منفتحة على الأجنبى، متسامحة مع «العدو» شديدة على شريك الوجود والمصير.

ولقد عاش غسان توينى عمره فى قلب المأساة، واستطاع الانتصار على موت الأب وهو غائب عن الوطن، وموت الابن وهو غائب عنه وموت الابنة قبل أن تكمل الدورة الأولى من حياتها، وعايش الموت البطيء مع الحبيبة الزوجة محولا وجعه إلى جهد خلاق لحماية الناس من الوجع، ثم كان الانتصار الأعظم حين حول اغتيال «جبرانه» إلى صرخة تنبيه إلى خطورة الغرق فى غياهب الثأر والانتقام، بينما مصير الوطن معلق على حافة المجهول.

عاش غسان توينى الإنسان مأساة مفتوحة، ولكنه انتصر على مشاعره الشخصية كابن وأب وزوج بقوة إيمانه بوطنه، بأرضه، بشعبه الذى كان يراه على شفا جرف دموى يتهدده فى وجوده. وكان عزاؤه فى سلاحه الأمضى: الكلمة. الرأى. الحوار. العودة إلى البديهيات.

لقد نشأت أجيال على افتتاحيات غسان توينى وخطبه ومحاضراته فى الداخل كما فى جامعات أجنبية وأمام محافل دولية لعل الأشهر بينها موقفه المشهود فى مجلس الأمن الدولى وهو يحاول استنقاذ وطنه الصغير من براثن الصراع بين الدول، بعد الاجتياح الإسرائيلى (الأول!!).

ويخطئ من يتعامل مع غسان توينى كصحفى لبنانى فقط، أو كصاحب رأى لا يعنى إلا اللبنانيين وحدهم.

لقد نجح غسان توينى فى أن يكون صاحب مدرسة فى الصحافة العربية. ولقد أثرت «النهار» كمدرسة صحفية فى العديد من المؤسسات والدور الصحفية، مشرقا ومغربا... بل إن تأثيرها السياسى قد ارتكز فى جزء أساسى منه إلى نجاحها المهنى. وقد عجز كثيرون عن تقليدها ليس فقط لأن غسان توينى، الصحفى، أكفأ منهم مهنيا، وأشجع منهم فى التعبير عن رأيه، بل أولا وأساسا لأن بلادهم لا تتمتع بمناخ من الحرية يسمح بإطلاق الكلام قاطعا كالسيف، ولأن قواعد

ممارسة المهنة تخضع للرقابة التى تقوم على حماية ديكتاتورية الطاغية. وكثيرا ما كان قلم غسان توينى سيفا.

بل إن غسان توينى نفسه كان يؤمن بأن الصحافة اللبنانية تكون عربية أو لا تكون صحافة بأى معنى ومن هنا كانت «النهار» السباقة إلى اعتماد موفدين من محرريها إلى مواقع الأحداث فى الوطن العربى، بل إنها فتحت أبواب مكاتبها لكل القادة والمسئولين العرب الهاربين من ظلم حكامهم فى أوطانهم.. فما قيمة أن تنشر مطبوعات جهوية أو كيانية ضيقة بينما المدى السياسى والفكرى، الاقتصادى والاجتماعى والأمنى، عربى حكما. وبين كفاءات غسان توينى أنه شرع باب «النهار» أمام أقلام مبدعة أبرزها ميشال أبوجودة.

ربما لهذا، فى جملة أسباب أخرى، لا تصلح صيغة للماضى للحديث عن الصحافة فى لبنان، وبالتحديد عن غسان توينى. فالصحافى ليس راوية، وليس مجرد شاهد، ليس ناقلا فحسب، وليس آلة تصوير. إنه الأذن والعين والعقل والوجدان معا. والنجاح رهن بقدر ما يستقر الاسم فى ذاكرة الناس ويؤثر فى قرارهم وموقفهم وينير الطريق أمامهم بالمعلومات ومن ثم الرأى، من دون تعصب يغلق العقل أو غرض يشوه القصد ويضلل الناس بدل أن ينفعهم فى يومهم وفى غدهم.

●●●

الصحافة جميعا فى حداد.

وفى ما يعنينى شخصيا فإن بين أسباب اعتزازى بمهنتى أن قدرى قد أتاح لى أن أصنف زميلا معاصرا لغسان توينى، ثم أن تشاء لى الأقدار أن أتسنم موقع المنافس لغسان توينى فى «النهار» لهذا فأحزانى يعقوبية.

وليكن رحيل غسان توينى عن دنيانا حافزا لحماية الصحافة فى لبنان، وهى التى حولها غسان توينى و«النهار» إلى منارة يشع نورها فى الوطن العربى جميعا.

رحل غسان توينى الصحفى الرائد والسياسى الجرىء والأب الصابر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.