إذا كان المجلس العسكرى يريد أن يخرج البلاد من النفق المظلم ويقضى على الفتن ما ظهر منها وما بطن ويمنح نفسه شرفا يستحقه بدخول التاريخ من أوسع أبوابه فعليه أن ينأى بنفسه اولا عن ألاعيب السياسة.. وإن كان يريد أن يصلح حال البلاد والعباد ما استطاع خلال الفترة الانتقالية فعليه أن يراجع كل أقواله وأفعاله وما تعهد به فى الماضى القريب وما يقدم عليه من قرارات فى الحاضر وما يمكن ان تحققه من نتائج فى قادم الأيام.. ووقتها سيكون من السهل عليه قياس ما أنجز وحقق بأمانة وصدق وشفافية. المجلس العسكرى نجح فى تهيئة الأجواء لإجراء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية على افضل ما يكون ومنح المواطن المصرى فرصة ذهبية لممارسة الديمقراطية الحقيقية لأول مرة فى تاريخه بعد أن وفر له الأمن والأمان خارج وداخل اللجان وأمام الصناديق وعليه أن يكمل ما بدأه فى المرحلتين الثانية والثالية ومن بعد ذلك كله يحترم إرادة الشعب وكلمته التى ألقاها فى صناديق الاقتراع وما تسفر عنه من نتائج (أيا كانت).. بمعنى أن يكون الشعب ونوابه المختارون تحت قبة البرلمان هم أصحاب الحق فى وضع الدستور الجديد وصياغته وليس أحد غيرهم سواء كان فردا أو جماعة أو لجنة من اللجان!!
أما أن تجرى الانتخابات فى طريق ويعين ما يسمى بالمجلس الاستشارى فى طريق مواز فهذا هو أكبر ضربة للديمقراطية ان لم يكن انقلابا صريحا عليها وفرض وصاية على إرادة شعب صدق وآمن بأن هناك تغييرا حقيقيا قد حدث ومن اجل ذلك خرج وتحمل عبء الوصول لصناديق الاقتراع ليدلى بصوته ويختار نوابا قادرين على وضع دستور لكل المصريين سيكون محل تقييم واختيار فى استفتاء آخر من جانب كل ابناء الوطن ومن جميع التيارات والأطياف.. فإن كان خيرا فبه ونعمة وإن كان عكس ذلك فسيرفضه الشعب ويعاد النظر فى بنوده المرفوضة مرة أخرى إلى أن نخرج بدستور غير منقوص ولا مقطوع.. دستور يرضى كل المصريين مع اختلاف تنوعهم الثقافى والدينى والفكرى.
المهم ان يكون ذلك بإرادة شعبية وليس بوصاية من أحد وإلا فما قيمة الانتخابات وما بذل فيها من مال وجهد سواء من جانب الدولة أو الأحزاب والمرشحين.. وإذا كان المجلس الاستشارى المزعوم سيأتى لكى يسلب اهم صلاحيات واختصاصات البرلمان ويكون الطرف الاهم فى فرض دستورعلى المصرين فأين الديمقراطية إذن؟.
إن تعيين المجلس الاستشارى هو افتعال لأزمة جديدة هدفها إطالة أمد الفترة الانتقالية لأن كل القوى السياسية الكبيرة والصغيرة أيا كانت نتائجها فى الانتخابات ترفض المساس بصلاحيات المجلس المنتخب ومنحها لأى مجلس معين وتعتبر ذلك تحايلا على ارادة شعب يرفض ان يكون مصيره فى يد أشخاص لم يخترهم ولم يفوضهم لأن التعديلات الدستورية السابقة نصت على أن البرلمان هو الذى يختار الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.. فبأى حديث بعد ذلك يقولون؟
هذا ما أردت أن أقوله وأن اتابع الشد والجذب بين الرافضين لهذا المجلس الاستشارى وبين الأشد رفضا له.. لأن الحقيقة تقول انه لا يوجد مؤيد لهذا المجلس على الاطلاق بل هناك اجماع على رفضه بدرجات متفاوتة بين الرفض والرفض القاطع والمتشدد لأن هناك يقينا لدى الجميع بأن هذا المجلس الاستشارى لن يكون وسيلة لاحتواء تغلب تيار بعينه على البرلمان والاهم منه ان يتسع المجال للعبة السياسية وإعطاء الحق لممارستها.. ومن يدرى فقد تتبدل الادوار كما يحدث فى الدول الديمقراطية ونرى لعبة الكراسى الموسيقية بين تيارات الاغلبية والمعارضة من دورة لاخرى ووقتها سنكون بالفعل قد سلكنا الطريق الصحيح نحو ديمقراطية الاختلاف ومن ثم ارساء مبدأ التغيير وتداول السلطة.. واظن ان الشعب المصرى الذى كان السبب الرئيسى فى نجاح هذه المرحلة بات لديه نضج سياسى غير مسبوق ويستطيع ان يختار بعناية ودقة ومع كل انتخابات سيكون لديه كشف حساب لكل حزب سياسى شارك فى صنع القرار.. فمن عمل واجتهد وحقق ما وعد به سينال مزيدا من الثقة والبقاء.. ومن فشل ونكص على عقبيه فلن يضر الشعب شيئا ولن يكون له سند او معين بعدها أبدا وسيكون من المستبعدين.