فى ليلة أكثر جمالا من كل الليالى ولد السيد المسيح.. جاء بالخير والنور والمحبة لهداية الضالين والأخذ بيد العاصين.. وها نحن الآن (مسلمين ومسيحيين) نحتفل بميلاده ونحتفى بحبه وسلامه الذى ربط بيننا شعبا واحدا فى وطن واحد.. نسير على دربه ونؤمن به كل حسب عقيدته التى اختارها لنا الله من فوق سبع سماوات.. لا فرق بيننا فى الارض الا بالتقوى والعمل الصالح.. لا ضغينة لا ظلم لا حقد.. بالحب.. والحب فقط ربط الله سبحانه وتعالى بين العباد.. منحهم رباط محبته ووهبهم نور من ذاته كى يعمروا الارض ويسيروا فيها بالخير والأمل.. فالدين لله والعيد للجميع. وكما احتفى الإنجيل بالمسيح ابتهج به القرآن ايضا بما أنزل على خاتم المرسلين (محمد صلى الله عليه وسلم) ليعلم الناس حقيقة المسيح وانه (كلمة الله) القاها إلى مريم ليجعله آية للناس ورحمة منه تأكيدا على ان مشكاة النبوة واحد وجاء منه الرسل والنبيون جميعا.
وامس احتفل المصريون بعيد الميلاد.. وهو اول عيد ميلاد بعد ثورة 25 يناير المجيدة.. ويا له من مشهد رائع اختلف عن كل ما مضى من اعياد فى عهد النظام السابق الذى اهتم دائما بالشكليات امام الكاميرات.. اما اليوم فكان الشكل ومن قبله المضمون.. فالشباب المسلم وقف بأجساده يحمى إخوانه المسيحيين فى الكنائس والأديرة بصدق فى المشاعر وتعبير عن روح الوحدة بين نسيج الامة.. ولم لا.. وقد وضع الرسول الخاتم منهجا للتعايش بين ابناء الوطن الواحد مع اختلاف مللهم ونحلهم.. وكانت حياته (صلى الله عليه وسلم نموذجا يهتدى به فى التعامل مع الاخر.. فقد عاش الرسول الكريم مع اهل الكتاب (يهود ونصارى) فى المدينة.. أكل طعامهم وشرب ماءهم وتزوج من نسائهم وهذا دليل قاطع على حرصه بالقول والعمل على إن العلاقات الإنسانية فى جميع الأديان واجبه وتدعو إلى المحبة والسلام والصفاء والتسامح والشراكة بما يخدم البشر وتحقيق حكمة الله فى الأرض.. وحتى عندما اختلف معهم حكم فيهم ابناء جلدتهم وجاء بمن يفصل بينهم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبدإلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) هكذا كان خلق الرسول الخاتم وعلينا ان نهتدى به ونسير على دربه.
هذا ما اريد ان اقوله فى عيد الميلاد.. واضيف عليه أن الاعياد فرصة لتجديد العهد والوعد وبيئة رائعة للتصالح مع النفس ومع الاخرين.. وأتصور أن الوقت قد حان لكى تصدق النوايا ونتخلص من الأقنعة الزائفة التى فرضها علينا النظام السابق عندما زرع بيننا الفرقة والعداوة بالمؤامرات وقسم الشعب إلى فئات وتيارات وفزاعات إلى أن بات كل منا يخون الآخر ويتهمه بالعمالة وما شابه.. وأظن أن الشعب المصرى بكل اطيافه وعقائده بات أكثر نضجا من اى وقت مضى ونستطيع الآن أن يحتوى كل منا الآخر وأن يكون المصريون بحق جديرين بثورتهم وأن يحموها حتى تحقق اهدافها ونأتى بحكم عادل يستوى فيه الجميع امام القانون.. واظن اننا اوشكنا على قطع نصف الطريق بعد انتهاء المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية وسيكون من السهل علينا أن نكمل المشوار ونقدم على الخطوة الثانية باصدار دستور جديد لكل المصرين وليس لفئة دون أخرى.. دستور يحل المشاكل ولا يصنعها.. دستور يناسب المسلمين ولا يتجاهل حقوق غيرهم.. دستور يعظم دور القانون ويضمن استقلالية القضاء ويحد من السلطات المطلقة لكل كائن كان.. دستور يرسى مبدأ التغيير وتداول السلطة والا يصنع ديكتاتورا جديدا.. ومن قبل كل ذلك يجب الا ننسى حق الشهداء فدماؤهم فى رقابنا حتى نقتص لهم ممن قتلوهم أو أمروا بقتلهم فالقاتل والآمر بالقتل والمحرض عند الله سواء.. اقتصوا لشهدائنا قبل ان تقفوا امام الله وتسألوا.. ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب.