أدى الجمود السياسى فى المفاوضات مع الفلسطينيين، وافتراض عدم القدرة على التوصل إلى تسوية دائمة، إلى إحياء فكرة الانسحاب الأحادى الجانب من جزء من الضفة الغربية. ويعتقد المؤيدون لهذه الفكرة أن التوجهات الحالية، وفى طليعتها توسيع المشروع الاستيطانى، لابد أن تتوقف قبيل التسوية التى سترسخ حل الدولتين، كذلك يعتقدون أن الإخلاء الأحادى الجانب سينشئ واقع دولتين وسيسهل تنفيذ الاتفاق الدائم. إلاّ أن التجربة الإسرائيلية المتعلقة بالخطوات الأحادية الجانب تشير إلى عكس ذلك، فالأطراف المعارضة للتسوية لدى الطرفين استغلت الإخلاءات والانسحابات الأحادية الجانب من أجل خلق وقائع على الأرض تجعل من الصعب تحقيق هذه التسوية. لقد أدى بناء جدار الفصل تحت شعار «نحن هنا وهم هناك» إلى انتقال النشاط الاستيطانى إلى الجانب الفلسطينى من الجدار. وإذا كانت أغلبية أعمال البناء قد تركزت خلال عقود على الكتل الاستيطانية، فقد جرى فى الأعوام الأخيرة بناء مزيد من الوحدات السكنية فى المستوطنات المعزولة، وبلغ عدد الإسرائيليين الذين يسكنون فيها نحو 100.000 شخص. وما لا يقل أهمية عن ذلك اعتقاد أغلبية الجمهور الإسرائيلى أن مسار جدار الفصل سيتحول حتما إلى خط للحدود، على الرغم من أن هذا المسار يضم نحو 8٪ من أراضى الضفة، ولا يمكن لإسرائيل أن تعيد للفلسطينيين أراضى فى مقابلها، كما أن مسار الجدار يمتد على نحو 900 كيلومتر، أى أطول ثلاث مرات من الخط الأخضر، ويتغلغل فى عمق الدولة الفلسطينية على بعد نحو 20 كيلومترا من الخط الأخضر.
إن تسريع المشروع الاستيطانى فى الأراضى الواقعة غربى جدار الفصل سيعزز هذا الموقف العام، وسيجعل من الصعب على إسرائيل الموافقة على خط للحدود يكون ثمرة تسوية بين موقفها وبين الموقف الفلسطينى، الذى يقترح تبادل ما نسبته 2٪ من أراضى الضفة.
عندما نعود إلى تجربة إخلاء قطاع غزة والانسحاب منه، يتضح لنا أن محاولة تعزيز الاستيطان فى الضفة الغربية فى مقابل الانفصال عن غزة، وفقا لما أعلنه رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون، قد اعتُبر بمثابة انتصار عسكرى ل«حماس» على حساب «فتح»، وكان ذلك من بين الأسباب الأساسية التى أدت إلى نجاح «حماس» فى انتخابات السلطة الفلسطينية سنة 2006، كما أن سيطرة حماس العسكرية على غزة بعد عام من ذلك، أدت إلى إبعاد الممثل الفلسطينى المؤيد لفكرة التوصل إلى تسوية دائمة مع إسرائيل.
وقد استغل المعارضون للتسوية السياسية فى إسرائيل هذه التطورات ووضعوها فى خدمة ثلاث حجج، هى: عدم وجود عنوان فلسطينى واحد للتسوية؛ ما حدث فى غزة سيتكرر فى الضفة حتى فى حال الانسحاب منها ضمن إطار اتفاق؛ إن ذلك يلغى التهديد الديمغرافى، إذ سيرفع ضم الضفة إلى إسرائيل نسبة الفلسطينيين فى الدولة إلى 40 ٪ فقط، الامر الذى سيسمح بالمحافظة على طابعها اليهودى.
إن الذين يسوقون فكرة الانسحاب الأحادى الجانب يتجاهلون تماما أيديولوجيا الحكومة الحالية، التى هى غير مهتمة بالتسوية الدائمة، وهم يحاولون أن يعرضوا عليها التحكم بإطار الحل، وهذا مجرد وهم.
إن إخلاء المستوطنات الواقعة خارج جدار الفصل، والتى أغلبية سكانها من أنصار حركة غوش إيمونيم «حركة استيطانية تابعة لليهود المتدينين الصهيونيين»، سيفرض على إسرائيل دفع الأثمان الداخلية التى ستدفعها فى الاتفاق النهائى. يمكن أن ينجح الانسحاب الأحادى الجانب، بصورة جزئية، فى حال كان النزاع إقليميا فقط، مثل انسحاب فرنسا من الجزائر وإجلاء كل مواطنيها من هناك. بيد أن هذا ليس هو وضع إسرائيل، لأن النزاع مرتبط بمشكلات أخرى مثل الاعتراف وحق العودة للفلسطينيين.
بناء على ذلك، وعلى المدى الطويل ستؤدى الخطوات الأحادية الجانب تحديدا إلى تأجيل تحقيق الهدف الاستراتيجى، أى الانفصال المتفق عليه عن الفلسطينيين الذى سيمنح إسرائيل الشرعية للمحافظة على حقوقها ومصالحها، حتى لو بالقوة.