بداية ومن ناحية الشكل جاء خطاب نتنياهو ليعكس غروره وصلفه فمثلما جاء أوباما رئيس الولاياتالمتحدة إلى المنطقة ليوجه خطابه للعالمين العربى والإسلامى، قام نتنياهو بتوجيه خطابه للعالم كله.. ومثلما أطلق أوباما خطابه من جامعة علمية بالقاهرة، أطلق نتنياهو خطابه من جامعة «بار إيلان» الدينية فى تل أبيب، وكأنه يساوى نفسه بالرئس الأمريكى. أما من ناحية الموضوع فقد وجد نتنياهو نفسه واقعا بين مطرقة أوباما وسندان حكومته الائتلافية اليمينية الدينية المتطرفة.. فبينما أطلق أوباما وعده بتنفيذ حل الدولتين وربط بين إقامة الدولة الفلسطينية وبين المصلحة الأمريكية وأمن إسرائيل، فإن نتنياهو يواجه ائتلافا يرفض إقامة الدولة الفلسطينية، ويرفض التعامل مع سوريا باختصار يرفض السلام جملة وتفصيلا.. وبالتالى كأن مأزق نتنياهو إما فى اختيار مواجهة الرئيس الأمريكى، وبالتالى يكرر ما سبق وواجهه عندما واجه كلينتون وما واجهه إسحاق شامير عندما واجه بوش الأب، أو مواجهة حكومته الائتلافية فتنفرط وتتحلل ويضطر للجوء لانتخابات جديدة هو يعلم أنها ستنتهى بعودة تسيبى ليفنى رئيسة للوزراء.. فكان الحل عنده للخروج من هذا المأزق هو ذلك الخطاب المراوغ المضلل الذى أراد به إيهام العالم بأنه وحكومته يسعيان للسلام ولإقامة الدولة الفلسطينية، بينما كان ما تسبب فيه هو نسف أى أوهام بالسلام قد تكون لدى العرب خاصة بعد خطاب باراك أوباما.. فقد كان أخطر ما أورده فى خطاب التضليل الذى أطلقه هو اشتراطه اعتراف الفلسطينيين المسبق بيهودية دولة إسرائيل، مما يترتب عليه ليس فقط القضاء على حق العودة للفلسطينيين، وليس فقط تعريض الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة كلها للطرد من خلال تنفيذ سياسة الترانسفير. بل الأخطر من هذا وذاك أن هذا الاعتراف الفلسطينى سيكون بمثابة اعتراف بأثر رجعى بكل الفلسفات والمبادئ الصهيونية التى يجسمها «يهودية الدولة» ، ومقابل هذا الاعتراف الفلسطينى، العرف التاريخى يكافئهم بهذا المسخ الذى يسميه دولة، بينما ليس فى هذه الدولة من سمات الدولة إلا النشيد القومى والعلم،. فهى مسخ بلا سيادة لا على الأرض ولا باطن الأرض ولا السماء وتكون تحت السيطرة الأمنية الإسرائىلية الكاملة رغم أنها منزوعة السلاح تماما وليس لها الحق فى التعامل مع أى دولة، ولكنه بهذا الطرح لرؤيته للدولة الفلسطينية أراد أن يعطى الانطباع للعالم بالمرونة، وأن فى هذا تنازلا عن الموقف الليكودى الصهيونى التقليدى الرافض تماما لأى شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. وبالفعل وجد هذا الطرح ترحيبا من الولاياتالمتحدة التى أعلنت أنه «يمكن البناء عليه»، بينما الموقف الفرنسى وعلى لسان وزير خارجيتها كان أكثر تطرفا. فقد قرر أن طرح نتنياهو «يطرح أفقا جديدا للسلام فى الشرق الأوسط»، والحقيقة الواضحة فى ظل كل المعطيات الحالية أن مشكلات وعقبات جسيمة تعترض مجرد التفكير فى هذا الأفق، وهى عقبات ليس أكثرها جسامة الموقف الإسرائيلى الرافض للدولة الفلسطينية، وليس أكثرها جسامة محدودية الضغوط الأمريكية على إسرائيل. إذ تظل فى تقديرى أخطر وأكبر عقبة هى التشرذم والانقسام الفلسطينى الذى سيقف حائطا سدا أمام أى محاولات جادة للعودة إلى مفاوضات إسرائيلية فلسطينية لإقامة الدولة، وهو تشرذم تظلله انقسامات عربية تضعف أى محاولة جادة فى هذا الإطار، لذلك يصبح الوفاق الفلسطينى حتمية غير قابلة للنقاش ولا الجدل. ولهذا تحدد اليوم السابع من شهر يوليو المقبل موعدا نهائيا لاستضافة مصر للفصائل للتوقيع على الاتفاق الذى تدخلت مصر بكل ثقلها لإنجاحه، فإذا لا قدر الله لم يحقق نجاحا سواء بسبب تدخل إيرانى سورى أو بسبب استمرار تمسك حماس بالسلطة. أو بسبب الخلافات والانقسامات داخل فتح والسلطة، أو لهذه الأسباب مجتمعة، وأيا كانت الأسباب فسيكون حينئذ لا سبيل سوى اللجوء للشعب الفلسطينى مباشرة بكشف أسماء المتسببين فى هذه النتيجة من الجانبين، ولنترك للشعب مهمة لحاسبتهم وكفى مصر حرجا، وكفى الفلسطينيون معاناة، وكفى العرب مهانة من هذا العبث.