مدبولي يلتقي أعضاء الهيئة البرلمانية بالمنيا لمناقشة عدد من الملفات    "الستات مايعرفوش يكدبوا" يرصد مواصلة حياة كريمة تقديم خدماتها للعام الخامس    أبو الغيط: حكومة لبنان هي وحدها من يتفاوض باسم البلد    "لا يتوقف".. عمر مرموش يفتتح أهداف آينتراخت فرانكفورت في مرمى ليفركوزن (فيديو)    خدمة في الجول - قبل انطلاق الموسم الجديد.. طرح بطاقات Fan ID لموسم 2024-25    شرع في قتل سيدة.. المؤبد لسائق توكتوك تسبب بوفاة طفل بالشرقية    آية سماحة تحتفل بعيد ميلاد شقيقتها: "أول صاحبة وأول حضن بجد" (صور)    "والله وبقيت تريند بس عن جدارة".. صلاح عبدالله يعلق على كلب الأهرامات    الأربعاء.. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمنطقة كفر طهرمس ضمن مبادرة بداية    وزير الشباب يضع حجر الأساس للمدرسة الرياضية الدولية بالمركز الدولي للتنمية بالغردقة    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    بعد البراءة.. ماذا قال إمام عاشور أمام النيابة بقضية مول الشيخ زايد؟    بوريل يدعو لتوسيع الصلاحيات العسكرية لقوات حفظ السلام الأممية في لبنان    رئيس مركز باريس بالوادي الجديد يوجه بانشاء رامب لخدمة المرضى    وزير الكهرباء: من طلبوا تركيب العداد الكودي قبل شهر أغسطس ليسوا مخالفين    مدبولي: استثمارات العام المقبل موجهة ل«حياة كريمة»    توتنهام يتغلب على ضيفه وست هام يونايتد بحصة عريضة 4 – 1 في الدوري الإنجليزي الممتاز    وزير الأوقاف يشارك في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد نيابة عن الرئيس السيسي    حكم قضائي جديد ضد "سائق أوبر" في قضية "فتاة التجمع"    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    تأجيل محاكمة بائع خضار لاتهامه باستدراج سائق تروسيكل وقتله بشبين القناطر لجلسة الأربعاء المقبل    مصرع مزارع دهسًا أسفل عجلات جرار زراعي في قنا    وزيرة التنمية المحلية: النهوض بموظفي المحليات ورفع مهاراتهم لجذب الاستثمارات    وزير الكهرباء: بدء تشغيل محطة الضبعة عام 2029    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    عميد طب الأزهر بأسيوط: الإخلاص والعمل بروح الفريق سر نجاحنا وتألقنا في المنظومة الصحية    فعاليات فنية عن تاريخ مصر الفرعوني والثقافي ببوليفيا    ب "السحر والدجل".. ضبط شخصين لاتهامهما بالنصب على مواطنين    بيولي: حققنا الأهم أمام الشباب.. ولا نملك الوقت للراحة    رئيس حي بولاق أبو العلا: تقديم كل التسهيلات للراغبين في التصالح على مخالفات البناء    مدبولي: القطاع الصحي ركيزة رئيسية ضمن خطط تطوير الدولة المصرية    بقصد الاستثمار بالبورصة.. التحقيق مع موظف بالنصب على مواطن في الشيخ زايد    «آثار أبوسمبل» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    تعرف على قيمة الجوائز المالية لبطولة كأس السوبر المصري للأبطال    داعية بالأوقاف: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    ارتدوا الملابس الخريفية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة خلال الأيام المقبلة (تفاصيل)    14 عبادة مهجورة تجلب السعادة .. عالم أزهري يكشف عنها    11 شهيدا وعدد من المصابين جراء قصف الاحتلال منزلا بمخيم المغازى وسط غزة    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام القادسية.. بنزيما يقود الهجوم    إعلام عبرى: انفجار الطائرة المسيرة بمنزل نتنياهو فى قيسارية أحدث دويا كبيرا    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    حزب الله يُعلن استهداف جنود ومواقع إسرائيلية    الشيخ أحمد كريمة يوجه رسالة لمطرب المهرجانات عمر كمال    وزير الخارجية: أخبار سارة قريبا بشأن التواجد السعودي الاستثماري في مصر    رغم اعتراض ترامب.. قاضية تُفرج عن وثائق فى قضية انتخابات 2020    تطورات جديدة بشأن مستقبل جافي مع برشلونة    أول تعليق لصاحب جواز سفر عُثر عليه بجوار يحيى السنوار بعد اغتياله.. ماذا قال؟    ارتفاع عجز الميزانية الأمريكية إلى 1,8 تريليون دولار    لا داعي للأدوية.. وصفات طبيعية كالسحر تخلصك من الإمساك في 30 دقيقة    «معندهوش رحمة».. عمرو أديب: جزء من القطاع الخاص لا يطبق الحد الأدنى للأجور    وزير الخارجية اللبناني: استمرار إسرائيل في سياسة المجارز سيؤدي إلى مزيد من التطرف    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    الصور الأولى من حفل خطوبة منة عدلي القيعي    جميل عفيفي: تطابق وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    مونتيلا يدخل دائرة المرشحين لتدريب مانشستر يونايتد    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبابة
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 08 - 2012

يمتلئ التراث المصرى الغنائى بأعمال لا تُنسى لقيمتها الفنية العالية، وسواء جاءت بالعربية الفصحى أو بالعامية المصرية فإنها قد حفلت بالعمق والصدق والبلاغة فى التعبير، ولا ينسى أحد على سبيل المثال أعمال الشيخ إمام التى مازالت حاضرة ومستخدمة فى جميع المناسبات حتى اليوم، وقد غنينا فى الأحزان والأفراح، غنينا فى أوقات الشدة والهم وكذلك أثناء الثورات التى قمنا بها، انطلق سيد درويش فى زخم ثورة 1919 ب«قوم يا مصرى» لبديع خيرى، و«أنا المصرى كريم العنصرين» لبيرم التونسى، ومع نفى سعد غنى المصريون «يا بلح زغلول» تحايلا على أوامر قوات الاحتلال بمنع اسم سعد زغلول، وظهرت أيضا أغنية «يا عم حمزة» الشهيرة من قلب المعتقل، لتمجد عم حمزة؛ السجان الذى رفض معاملة الطلاب بقسوة، كما لحن سيد درويش نشيد بلادى بلادى لك حبى وفؤادى الباقى حتى اليوم مع بعض التغييرات، أما ثورة 23 يوليو فقد احتفت بها مجموعة أخرى من الأغنيات من بينها «العهد الجديد»، و«ثورتنا المصرية» التى حملت فى صدرها كلمات الحرية والعدالة الاجتماعية، كذلك جاءت «حكاية شعب» بعد بضعة أعوام لتؤرخ لعملية بناء السد العالى فى فخر ومباهاة، كما غنت أم كلثوم رائعتها «مصر التى فى خاطرى» فى عام الثورة 1952 نفسه، وظهرت غيرها عشرات الأغانى بالغة الثراء والقوة والتعبير.

•••

انعقدت على مدار العام والنصف الماضيين ندوات وحلقات نقاش متعددة طرحت موضوع الأغنية المواكبة للثورة، وكتب كثير من الشعراء والملحنين المخضرمين وكذلك النقاد عن عدم تلبية الأغانى التى خرجت إلى النور بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 لطموحات الناس وحماستهم، كما أشاروا إلى الفقر فى الإبداع والعجز عن استلهام الروح الحماسية، رأى المنتقدون أن أغلب الأغنيات جاءت مائعة المذاق، ضعيفة اللحن والمفردات إلا فيما ندر، منها ما اقتصر على العويل ومنها ما اكتفى بترديد عبارات جوفاء حول التواريخ وسقوط الشهداء، لا تمس القلب ولا تضيف روحا ولا ابتكارا، وفى تطبيق عملى، ردد الناس فى الميادين والشوارع كلمات الأغنيات القديمة التى وجدوها أكثر قربا وملاءمة. كنت أظن أن الحكم مبكر، وأن ثمة أغانى سوف تظهر لتكون على قدر الحدث وأنها سوف تعبر عنه بشكل مرض، انتظرت وكان انتظارى محفوفا بالأمل واليقين، وقد كان.

•••

انطلقت منذ شهور مجموعة من الأغانى المختلفة، التى لم تتطلب إمكانات ضخمة ولم تحتج إلى فرق موسيقية كبرى واستديوهات للمحترفين، لكنها رغم بساطتها، انتشرت سريعا ووجدت حفاوة كبيرة من الجمهور، اخترقت العمق وأوصلت الرسالة بجدارة. المثير هنا أن تلك الأغانى لم تتحدث من قريب أو بعيد عن الانتصار والشجاعة والتضحية، ولا عن الشهداء، ولا حتى عن حب الوطن، لكنها صاغت الإحباطات والشكوك والتساؤلات بشكل عفوى مباشر، وقدمت الواقع العبثى دون محاولات للتزيين أو المراوغة، من بين تلك الأغانى أغنية قصيرة عنوانها «إيه العبارة؟»، سمعتها للمرة الأولى منذ أسابيع، وعلمت أنها تأليف وتلحين وغناء أشخاص من اتجاهات وأعمار مختلفة، وأنهم يقبلون مشاركة كل من يريد. رغم أن الاغنية خرجت إلى النور بنهاية عام 2011 بعد أحداث ماسبيرو، ورغم تغير الظروف السياسية ووصول رئيس منتخب إلى سدة الحكم بعد شهور طويلة من المعاناة، فقد ظلت الأغنية تعبر بدقة ووضوح عن الواقع المخزى المستمر، الذى يُختَطَفُ فيه النشطاء وتُلَفَّقُ لهم الاتهامات بالبلطجة وغيرها، يقول الكورال: «مين اللى حاكمنا محاكمة عسكرية، مين اللى بيوصفنا بأن احنا بلطجية؟»، «مين اللى كابتنا، مين اللى مفرقنا، مين اللى مخونا؟» تردد تلك المقاطع مجموعات كبيرة من الشباب والشابات، وتؤدى اللحن فرقة موسيقية ضئيلة العدد، لكن الأغنية تتفوق على ما أداه كثير من المطربين المحترفين طيلة الفترة الماضية، فى مقطع آخر تطرح الأغنية سؤالا ربما يكون الأكثر إيلاما بما يجلبه إلى الذاكرة من أحداث: «فين الدبابة؟».

تحمل لنا الصور الفوتوغرافية ولقطات البث الحى مشهدا متكررا فى أنحاء العالم، حيث يقف شخص أعزل فى مواجهة آلية حربية تسعى للمرور، ظهرت تلك اللقطة فى عام 1989 حين توقفت دبابات النظام الصينى القمعى أمام رجل وحيد رفض التحرك من أمامها خلال مظاهرات ساحة تيانانمن، كما ظهرت فى فلسطين المحتلة عام 2003 لكن الجرافات العسكرية الإسرائيلية لم تتوقف أمام راشيل كورى وقتلتها دهسا، أما فى التاسع من أكتوبر عام 2011، فلم تدهس مدرعات النظام المصرى المواطنين فى الشوارع فقط، بل إنها طاردتهم حين حاولوا الفرار فوق الأرصفة وعبرت على أجسادهم. بعد مرور سنة ونصف على الثورة وما يقرب من عام على تلك الاحداث لم يتم تقديم المسئول الحقيقى إلى المحاكمة.. هكذا كُتِبَت أغنية ما بعد الثورة لتُعَبِّر بوضوح، ليس عن الانتصار والفخر والفرح، بل لتتساءل مصدومة ومستنكرة عن الدبابة وسائقها وقاتلنا.

•••

تلك النوعية من الأغانى هى التى سوف تؤرخ للثورة المصرية ولحلقاتها التى لم تنته بعد، ورغم ظنى أنها المرة الأولى التى تخرج فيها أغنية بعد ثورة أسقطت رأس نظام، لتلقى مثل تلك الأسئلة، ومع أن الأمر يبدو محبطا بعض الشىء، لكننا ربما نصنع فى القريب أغنية أخرى يشارك فيها المظلومون والمدهوسون، ومن طلبوا الحرية فقضوا لياليهم فى المعتقلات والسجون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.