إن منع قافلة سفن المساعدات من التوجه إلى غزة هو بمثابة إنجاز دبلوماسى من الدرجة الأولى، وذلك بعد أن شكلت قافلة المساعدات فى العام الماضى انتصارا لأعدائنا وفشلا لإسرائيل. يومها نجح خصمنا فى إيقاعنا فى الفخ، وفى جرنا إلى معركة يستطيع التفوق فيها علينا. فقد صورت وسائل الإعلام ما حدث بأنه مواجهة عنيفة بين الجيش الإسرائيلى المدجج بالسلاح وبين مدنيين عزل من أنصار السلام والمدافعين عن حقوق الإنسان، وكانت الحصيلة سقوط تسعة قتلى كانوا الثمن الذى دفعه الخصم لقاء انتصاره فى تشويه صورة إسرائيل ونزع الشرعية عنها. إن الاستراتيجية الجديدة التى يستخدمها أعداؤنا بنجاح لا بأس به هى استراتيجية نزع الشرعية عن إسرائيل، وتصويرها كدولة فصل عنصرى، ودولة استعمارية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى عزل إسرائيل على المستوى الدولى وتحويلها إلى دولة مارقة وإضعاف معنوياتها ودفعها إلى اليأس. ويشكل تقرير جولدستون (المتعلق بعملية الرصاص المصبوب على غزة)، وقوافل سفن المساعدات، أداتين أساسيتين فى هذه المعركة. لقد انتهجت إسرائيل فى مواجهة هذه المعركة سياسة حكيمة لكن محدودة النجاحات، إلا أن النجاح الأكبر كان فى التحالف الاستراتيجى مع اليونان الذى أدى إلى وقف قافلة السفن. وكان التوجه نحو اليونان ثمرة الرد العاقل لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تأزم العلاقات مع تركيا التى وصلت إلى ذروتها مع قافلة السفن التركية إلى غزة (سنة 2010) المدعومة من أردوغان. يومها لم تحاول إسرائيل الزحف فى اتجاه أنقرة والاعتذار منها على ما حدث، والطلب إليها التوسط بينها وبين سورية والفلسطينيين، وإنما على العكس توجهت إسرائيل نحو العدو الأكبر لتركيا، أى اليونان، وعقدت معها حلفا ظهرت أهميته بعدما منعت اليونان قافلة سفن المساعدات من التوجه إلى غزة. وقد دفع التحالف الوطيد بين اليونان وإسرائيل تركيا إلى إعادة البحث فى موقفها العدائى من إسرائيل، ويدل على ذلك انسحابها من المشاركة فى قافلة السفن هذا العام. مما لا شك فيه أن للوضع فى الدول العربية أثرا كبيرا فى تغيير السياسة التركية، ولا سيما بعد أن تحول حلفاء أدروغان، مثل الأسد والقذافى، إلى حكام مكروهين فى نظر شعبيهما كما فى نظر العالم. لقد أدركت تركيا أنها خسرت الغرب وهى على وشك أن تخسر البديل الذى اختارته، أى محور الشر، وهذا ما دفع أردوغان إلى إعادة النظر من جديد فى علاقته بإسرائيل. وهكذا عزز التحالف مع اليونان موقع إسرائيل فى نظر تركيا التى باتت ترغب فى التقرب منها من جديد. لقد أدت كل هذه العوامل إلى نقطة انعطاف فى العلاقة بين تركيا وإسرائيل، وقد برز هذا الأمر فى أنه لأول مرة تجرؤ إسرائيل، وبعد تأخير استمر عشرة أعوام، على القيام بخطوة مطلوبة منها وهى مناقشة الكنيست الإسرائيلى للمجزرة الأرمينية، إذ امتنعت إسرائيل من فعل ذلك خوفا من إغضاب تركيا. نأمل بأن تؤدى النتائج التى أسفرت عنها السياسة الحكيمة التى انتهجتها إسرائيل فى هذا الموضوع إلى تشجيع الحكومة على مواصلة استخدام هذا النهج من أجل تحقيق إنجازات سياسية جديدة.