تركت الثنائية الذهبية التي أحرزها العداء البريطاني الصومالي الأصل محمد فارح في أولمبياد لندن انطباعا إيجابيا يحتاجه الشعب الصومالي الذي أصبح اسمه مرتبطا بالفوضى وغياب القانون. لا يوجد في الصومال حكومة فاعلة منذ أكثر من عشرين عاما. وبعد انهيار الدولة عام 1991، أصبحت الصومال ملاذا آمنا لقراصنة ومسلحين تابعين لتنظيم القاعدة. وقد أصبح الصوماليون في المملكة المتحدة ودول غربية أخرى مرتبطين بهذه الصورة النمطية، ولذا خلق إنجاز محمد في أولمبياد لندن سعادة لدى الكثير من الأسر البريطانية التي ربما كان لها رأي مختلف في الشعب الصومالي. وآمل أن يساعد الإنجاز الذي حققه العداء على التقريب بين الصوماليين والمجتمعات المختلفة في بريطانيا وأن يرفع من قيمة القواسم المشتركة التي نتشاركها في بريطانيا العظمى. صراعات شديدة كنت في العاصمة الصومالية مقديشو الأسبوعين الماضيين، ولذا لم يتسن لي متابعة الألعاب بصورة مباشرة في لندن، لكني حرصت على متابعتها عبر شاشات التلفاز. وأمام شاشة ضخمة في مقديشو تجمع حشد كبير يتنافسون على مشاهدة محمد أثناء مشاركته في الأولمبياد. الناس في مقديشو معجبون به، ولهم الحق في ذلك. هذا هو مسقط رأسه ومعظم الشباب في مقديشو يشعرون أن ثمة شيء يربطهم به. أثناء وجودي وسط هذا الحشد، لاحظت كيف يمكن لشخص أن يسمو فوق الاختلافات وأن يجمع الناس سويا بعدما فرقتهم السلطة والعدوات القبلية. فارح ملتزم بدينه وكان يسجد عقب كل فوز له تعاني مقديشو من صراعات شديدة، وتقسم الصومالين خلافات سياسية ودينية، لكن في اللحظة التي ظهر فيها محمد على شاشات التلفاز وقف الجميع سويا كصوماليين. وظهر نفس المشهد في مناطق يسكنها صوماليون بأماكن أخرى في شرق أفريقيا. وخلال رحلتي إلى المملكة المتحدة، واتتني فرصة للتوقف في العاصمة الكينية نيروبي وهناك زرت منطقة إيستلي، وهي منطقة كثيفة بالسكان غالبيتهم من الصومالين. ووجدتهم ينظرون إلى محمد ك"بطل خارق". وبدت مظاهر احتفاء مماثلة على شبكات الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر". لقد سيطر على الصوماليين شعور بالسعادة. ويرد محمد على دعمهم بالتعبير عن تقديره لكافة الصوماليين بغض النظر عن المنطقة التي يعيشون فيها أو القبيلة التي يتحدرون منها. وأعتقد أن ذلك زاد من مقدار الاحترام الذي يكنه الشعب الصومالي لشخصه. التزام ديني اختار محمد التعبير عن تقديره للصورة الأكبر في مجتمع منقسم، ونتيجة لذلك خلق شعورا بالوحدة لطالما كان مفقودا في المجتمع الصومالي. وعلاوة على ذلك، فقد ظل ملتزما بمعتقداته الدينية، وكان يسجد إثر كل فوز يحققه. ولا شك في أن ذلك يعيد بعض من الثقة في الشباب الصومالي، الذي يعاني غالبا في سعيه لخلق توزان بين تنشئتهم الغربية وأصولهم الصومالية ومعتقداتهم الإسلامية. لدي تفاؤل بأن فوز محمد سيلقي ضوءا على نوع مختلف من الشخصيات الصومالية التي يمكن أن يحتذى بها. وربما نكون محظوظين لو وجدنا المزيد من الشباب البريطانيين ذوي الأصول الصومالية يتنافسون في الأولمبياد المقبلة. كما يبدو أن حرص محمد على تأكيد التزامه الديني سيجعل البريطانيين يتصورون كيف يمكن للصوماليين الحفاظ على التزامهم الديني والإندماج في المجتمع، ليأتي ذلك في مقابل صورة نمطية تربط الأصولية بالمسلمين. ولهذه الاسباب أعتقد أن محمد سيظل نموذجا يعتز به الصوماليين سواء داخل الصومال أم خارجه. وآمل أن يزيد تأثيره ويصل إليهم جميعا ليتحدوا من جديد.