مساجد متعددة بالإسماعيلية غلب عليها الطابع السياسى قبل أحداث ثورة يناير، وتميزت بتجمع فئات إسلامية بعينها لتنظيم مظاهرات يمكن وصفها «بالبدائية»، ما جعلها كابوسا مزعجا لجهاز أمن الدولة، الذى طالما حاول القضاء على تأثير تلك المساجد على إلهاب حماس المواطنين، سواء بإلقاء القبض على أئمتها أو منع الخطب والدروس الدينية بها وغلق أبوابها عقب الصلاة.
«هتافات موحدة»
أبرز تلك المساجد، مسجدا «الإسماعيلية» الشهير بمسجد «المطافئ» و«أبو بكر الصديق»، اللذان اتخذا طابعا خاصا خلال ثورة يناير وما أعقبها من أحداث ومظاهرات شاركت فيها جميع القوى السياسية.
ويعد مسجد «المطافئ» الأقدم بين مساجد الإسماعيلية، واكتسب لقب «المطافئ» من وحدة المطافئ المجاورة له، ويحمل الميدان المقام فيه المسجد الاسم ذاته.. وأنشئ المسجد عام 1969 وتميز بزيارة شخصيات شهيرة له كما تقام به مناسبات وخدمات متعددة حيث يضم دار مناسبات وصندوقا لرعاية الفقراء. ولا يقل مسجد أبو بكر الصديق المقام بالميدان الأكبر بالمدينة «شامبليون» أهمية اجتماعية ودينية وسياسية عن مسجد المطافئ، حيث خرجت منه ولا تزال المظاهرات المتعددة متوجهة لميدان الاعتصام الشهير «الممر»، ولعل كان أبرز هذه التظاهرات «جمعة الغضب». ومع تعدد الرؤى بين تلك التيارات إلا أن هذين المسجدين استطاعا أن يوحدا قوى كثيرة طالما اختلفت فى مؤتمرات وندوات سابقة، ووحدا أيضا هتافات المواطنين تحت الهتاف الشهيرة «الشعب يريد...»، وساعدهم فئات شبابية كونت ائتلافات وحركات سياسية ظهرت لتدعم هذا التوحد.
وأصبح المسجدان مكانى التحرك الرئيسين للتظاهرات، ومنبرا لخطب دينية لم تخل من العبارات السياسية الداعمة لحماس المتظاهرين للمطالبة ب«الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية».
الناشط السياسى أسامة العلاف يؤكد أن موقع ومساحة المسجدين فى وسط المدينة وقربهما من ميدان التظاهر ميدان «الممر»، أتاح للثوار إمكانية التجمع عقب أداء الصلاة، وكان لكل مسيرة تنطلق من المسجدين عدد من المنظمين يتفقوا فيما بينهم على موعد التجمع ثم الانطلاق إلى الميدان.
ويضيف العلاف: ربما كانت ثقافة التظاهر جديدة على المواطنين فى الإسماعيلية، إلا أن انطلاق تظاهرات الثورة من المسجدين ساعد على انضمام كثير من المواطنين، خاصت مع تلاحق الأحداث، التى نقلت المدينة الهادئة من خانة الصمت إلى المشاركة بقوة فى الثورة.
«أحداث الممر»
وشهد مسجد «المطافئ» تشييع جثامين شهداء الثورة والمظاهرات التى أعقبتها وأبرزها جنازة الشهيد ماجد مدحت، ذلك الصبى الذى سقط قتيلا فى أحداث الممر الدامية عقب إحدى المظاهرات فى نوفمبر 2011، وتفرق دمه ما بين رصاص الشرطة والجيش، وشيع وسط جنازة شعبية مهيبة خرجت من مسجد «المطافئ» وصولا إلى مقابر المدينة.
وكان المسجدان قبل الثورة قد شهدا خروج مسيرات لدعم انتفاضة «غزة» والتنديد بمقتل خالد سعيد، وسلاسل بشرية لتنظيم وتأمين المظاهرات، وجذبا تيارات إسلامية للتعبير عن مطالبها.
«ذكريات متعددة»
ولعل أبرز أسباب خروج المظاهرات من مسجدى «أبو بكر الصديق» و«المطافئ» ليس لأنهما الأشهر والأكبر مساحة فحسب، وإنما يرجع لقربهما وخاصة الأخير من ميدان «الممر» بوسط المدينة والذى شهد شرارة أحداث الثورة فى الإسماعيلية، فضلا عن اشتهارهما منذ سنوات بالخطب الدينية المؤثرة فى نفوس المسلمين لخطباء حازوا على تقدير المصلين واستطاعوا جذب الآلاف لحضور دروسهم وخطبهم الدينية. أما ذكريات الثوار مع هذين المسجدين فهى متعددة، فعلى مدار عام ونصف شهدت ساحتاهما أحداثا عصيبة بداية بهجوم قوات الأمن المركزى على الثوار بالقرب من المسجد فى ميدان «المطافئ» وإلقاء القبض على بعض الرموز السياسية والدينية عقب خروجهما من مسجد «أبو بكر»، مرورا بأحداث نوفمبر الماضى، التى تركز جانب كبير من أحداثها فى نفس ميدان المطافئ، الذى تحول إلى ساحة حرب.