تحولت منطقة الجمرك بالإسكندرية حتى الساعات الأولي من فجر أمس لسرادق عزاء أسود، حيث شيعت جثامين 20 شهيداً من ضحايا العقارات الأربعة المنكوبة لمثواهم الأخير، بمدافن "المنارة والعمود". وقررت النيابة العامة برئاسة المستشار وائل مهنا المحامي العام لنيابات غرب الإسكندرية، حبس أحمد محمد، 42 عاما، وشهرته" أحمد أكبر"، مالك العقار المكون من 13 طابقا، 4 أيام علي ذمة التحقيقات، بتهمتي القتل والإصابة الخطأ وبناء مباني بدون تراخيص، فيما أنكر المتهم كل التهم الموجهة إليه.
وتواصل النيابة تحقيقاتها الموسعة، وتقوم بفرز تقارير اللجنة الخماسية الخاصة بكلية الهندسة جامعه الإسكندرية، وسؤال مهندسي حي الجمرك المسئولين عن إصدار التراخيص وفحص التقارير الهندسية الصادرة بشأن العقار.
من جانبها رصدت "الشروق" أجواء الحزن بعزاء الضحايا، فعلي بعد 10 أمتار من ركام البيوت المنهارة، كان يجلس الحاج صابر علي زايد، 51 عاما، أحد مصابي العقار، علي رصيف المقهى المجاورة للعقارات بحارة البطارقية، واضعا يديه علي وجنتيه وعيناه مليئة بالدموع وصوته منخفض من كثرة الصراخ والصدمة .
وقال "في البداية شعرنا نحن سكان المنطقة بأن الموت قادم لا محالة عقب ظهور الميل في العقار، ولكن لم نعلم أن النهاية سوف تكتب سريعاً بهذه الدرجة، ويصبح العشرات من أهل المنطقة الذين كانوا بالأمس أحياء هم سكان القبور اليوم، مؤكداً أننا لجأنا إلي مسئولي حي الجمرك ومحافظة الإسكندرية لاتخاذ الإجراءات القانونية، لكن دون جدوى في ظل حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة من بناء مخالف في غفلة من مسئولي المحافظة والحي.
ويضيف الحاج صابر "فوجئنا مساء السبت بما يشبه الزلزال ودوي شديد أيقنت لحظتها أنه زلزال قوى سوف يضرب الإسكندرية ثم سمعت صرخات ، ولم أشعر بنفسي سوي وأنا في فراش المستشفي الأميري بحجرة الطوارئ، وتحت الملاحظة الطبية، أنتظر أخباراً عن باقي جيراني الذين خرجوا جثثا بعد ذلك"
وأوضح "لم أتصور أن بنت عمي اللي لسه والدة من 40 يوم تموت وتروح تحت التراب وأنقاض عقار صاحبه معندوش ضمير ولا رحمة قتل العشرات عشان الفلوس. يلعن الفلوس اللي خلت الناس ميحرموش..
"البنت بس كان نفسها تربي بنتها وبس"، هكذا قالت الحاجة نعمة السيد، 56 عاما، وهي تبكي وتصرخ عقب دفن بنت عمها.
وبصعوبة شديدة تحدثت معنا حيث أن المرارة والحسرة يغلبان عليها والألم والانكسار يملآن قلبها المفطور من الحرقة علي بنت عمها الشابة، متسائلة" مين يحضر لنا حق بنت عمى التي تم انتشال جثتها من تحت الأنقاض وهى تحضن نجلتها وحفيدتي المولودة منذ 40 يوم، من المسئول عن عروسة لم تكمل سنة من زفافها ولم تكمل فرحتها بطفلة عمرها40 يوم".
وختمت حديثها قائلة أننا نطالب فقط بالقصاص من المحافظ ،ورئيس الحي، ومهندسي الحي المسئولين عن هذه الكارثة وعن الظلم اللي لحق بنا من المسئولين الفاسدين.
أما الحاج سعيد إسماعيل من سكان العقار المنهار ظل يصرخ قائلا" حسبنا الله ونعم الوكيل في كل المسئولين الذين خرجوا في وسائل الإعلام يقولون إننا حصلنا على تعويضات وشقق في مساكن الكيلو 21 والعامرية، مؤكدا إلي إنهم مازالوا نائمون على الأرصفة بلا مأوي ولا طعام ولا شراب، ولم يبالى بنا أحدا ونحن من دفع الثمن من دمائنا وحياتنا.