يطلقون عليها «التسونامى الخضراء»، وموجة التغيير تجتاح شوارع العاصمة الإيرانية الواسعة. سمها ما شئت، لكن المدينة تجتاحها حمى مؤيدى مير حسين موسوى، المرشح الإصلاحى الذى سعى إلى احتلال مكان الرئيس محمود أحمدى نجاد فى الانتخابات العاشرة التى تشهدها البلاد منذ الثورة. مرة أخرى، تتأرجح إيران على حافة التغيير، وسط انشقاق داخلى غير مسبوق. ومنذ شهور مضت، وأنا أحث على النظر إلى إيران نظرة أخرى تتجاوز التشويه المحفوف بالخطر لتقديمها كدولة استبدادية. ونادرا ما بدت البلاد على هذا الحال التى هى عليه فى هذه الأيام الخانقة من شهر يونيو. وقد تجولت وسط بحر من الشرائط والقبعات والأعلام والمناديل الخضراء، تضمها مسيرة وصفت أحمدى نجاد ب«الضئيل»، وزهرة رهنفارد، زوجة موسوى، تضع حجابا زهريا وتتهكم على المسئولين، وتحذر الرئيس بقولها: «إذا حدث تزوير فى الانتخابات، فستهب إيران». وحومت طائرة ورقية تحمل صورة لموسوى، وارتفعت صيحة «اسمه مكتوب فى السماء». ولا أعرف ما يعنيه هذا، لكن ثمة شيئا يتحرك مرة أخرى فى الجمهورية الإسلامية، وهى كلمات ترى الأمة فيها تعبيرا عن هويتها الخاصة. إن لهذه الهبة جذورها العميقة. ويعلمنا القرن الماضى أن التشوق للديمقراطية يلقى الرفض وقت الخطر فقط. ومنذ الثورة الدستورية فى 1906، والمطالبة بحكومة تمثيلية فى تصاعد. وموسوى صارم لكنه ينظر إليه كمثال للنزاهة، ونقيض أحمدى نجاد الذى يمكنه استعادة وعود ثورة 1979 وليس تجسيدا لدورها القمعى. ورهنفارد، أستاذة العلوم السياسية، ليست صارمة. وقد ظهرت كشخصية أساسية فى اقتراع الجمعة من خلال دعوتها النشطة لحقوق المرأة والطريقة التى ردت بها على هجوم أحمدى نجاد المتسرع على شهاداتها الإكاديمية أثناء مناظرته المتلفزة الحرة مع موسوى الأسبوع الماضى. وهتفت رهنفارد أثناء المسيرة «لفِّق ملفاتك... لكنك لن تقدر تلفيق النصر!»، فى إشارة ساخرة إلى تلميح أحمدى نجاد، على طريقة ستاسى (رئيس الشرطة السرية فى ألمانياالشرقية)، إلى وثيقة تخصها أمام نحو 40 مليونا من مشاهدى التليفزيون. إن ديمقراطية إيران ناقصة (مجلس وصاية يمثل تراتبية المرشحين الإسلاميين) لكنها نشطة بقدر يصعب معه التنبؤ بتطورها. فلا أحد يعرف كيف ستنتهى المواجهات بين أنصار موسوى ورجال النظام بعد إعلان فوز نجاد فى انتخابات يجرى فيها اختيار ثانى أقوى شخصية فى إيران بعد القائد الأعلى للثورة، آية الله على خامنئى، لكن هناك بعض الأشياء الواضحة بالفعل. أولها هو أن الضراوة السياسية الواضحة التى شهدتها طهران خلال الأسابيع الماضية لم تلق اهتمام حلفاء الولاياتالمتحدة من القاهرة إلى إيران، وهى حقيقة محبطة للغاية. والمشكلة فى التشويهات المبالغ فيها لإيران، مثل وصف نتنياهو العبثى مؤخرا للنظام بأنه «يحكمه رجال الدين، ويقوم على عبادة رهيبة للفرد»، هى أن الواقع وهذه الحملة على الأقل تختلف. والثانى هو أنه بينما استطاع أحمدى نجاد حشد القوى التى تتمتع بإمكانات النصر، ومن بينها الحرس الثورى وميليشيا باسيج، يواجه الآن مصفوفة رهيبة من المعارضة تضم كل الأطياف السياسية. وإذا كان الهجوم على رهنفارد متسرعا، فإن هجومه المركز على على أكبر هاشمى رافسنجانى، رجل النظام والثورة الذى لا يحتل حاليا منصبا رسميا، يبدو طائشا. وقد جازف بإدخال هذه الانتخابات فى عرين السلطة. وهذا تجاوز قد لا ينجو منه أحمدى نجاد. وقد غضب الرئيس السابق رافسنجانى من اتهامات أحمدى نجاد له بالفساد الشبيه بفساد المافيا والتى رد عليها بخطاب شديد اللهجة موجه إلى خامنئى، الذى يفترض أن يبقى بعيدا عن هذا النزاع. كما غضبت المؤسسة الدينية فى قم من قول الرئيس بأن الفساد بلاء أصاب الثورة، وردت عليه بخطابها المعارض الخاص: كيف يجرؤ أحمدى نجاد على تدنيس النظام ذاته؟ وقال كافوس سيد إمامى، الأستاذ بالجامعة «أحمدى نجاد يثير الخلافات ويشيع عدم الثقة فى النظام ككل». ويضيف «إن هذا أمر غير معهود». ويقول خطاب رافسنجانى، الذى يشير إلى اندلاع «براكين» الغضب بين الإيرانيين، إن اختفاء مليار دولار من خزانة الدولة لن يمحى من تاريخ الثورة الإيرانية. ويقول الخطاب إن عشرات الملايين من الدولارات المرصودة باسم أحمدى نجاد «تتعارض مع الشريعة والأخلاق والعدالة، وتعد انتهاكا لها وتهدد إنجازات نظامنا الإسلامى». ويميل خامنئى إلى أحمدى نجاد، لكن ميله أقل بكثير فى الفترة الأخيرة. لكنه لا يمكن أن يكون منيعا أمام غضب رافسنجانى، الذى يترأس مجلس تشخيص مصلحة النظام، المختص بحل المنازعات، ومجلس الخبراء، الذى يشرف على مكتب المرشد الأعلى. ويواجه أحمدى نجاد الآن قوى عاصفة من خارج (الشارع) ومن داخل (الهيئة الدينية)... لماذا هذا الاضطراب المفاجئ؟ هنا، نأتى للسمة الثالثة الحاسمة لهذه الانتخابات. فقد ولَّد تشدد بيت بوش الأبيض التشدد فى إيران، ليسهل الحياة أمام أحمدى نجاد. وبالمقابل، أسهمت يد الرئيس أوباما الممدودة فى زعزعة النظام. ومع حرمان لبنان حزب الله من الفوز فى الانتخابات، وتراجع الاقتصاد الإيرانى المعتمد على النفط، وسعى أمريكا لترضية المسلمين، يبدو العالم مختلفا بعض الشىء الآن. وهجمات موسوى على «إثارة وتطرف وسطحية» السياسة الخارجية لأحمدى نجاد يتردد صداها اليوم فى المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن. ويؤمن رافسنجانى بالخيار الصينى لإيران: تقارب تاريخى مع الولاياتالمتحدة يحافظ فى الوقت نفسه على نظام معدل. وأعتقد كذلك أن هذا أمر ممكن ومطلوب وأن مجال المقاومة أمام خامنئى يتضاءل. ويجب أن يتضاءل المجال أمام حماقة الصقور المعادية لإيران. من الهيرالد تريبيون نيويورك تايمز