يعد محمد مرسى، الأقرب للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية، المرشح الوحيد الذى تبنى فى دعايته الانتخابية مشروعا اقتصاديا يحمل اسم «النهضة»، كان بالأساس مشروعا للقيادى بجماعة الإخوان خيرت الشاطر وقت سعيه لدخول سباق الرئاسة. وبينما يعتبر معدو المشروع أنه الأنسب لمصر فى الفترة المقبلة لجمعه بين هدفى تنشيط الاستثمار وتحقيق العدالة الاجتماعية، يرى خبراء أن المشروع يعكس رؤية رجال الأعمال داخل الجماعة المنحازة لاقتصاد السوق، وأنه قد لا ينجح فى تحقيق أهدافه الاجتماعية. فى عام 1998، كان مبارك الابن يؤسس جمعية جيل المستقبل، والتى مهدت لظهوره فى الحياة السياسية، وفى نفس العام كان أعضاء بارزون فى جماعة الإخوان، على رأسهم خيرت الشاطر، يبدأون فى إعداد مشروع اقتصادى تحت اسم «النهضة». وبينما أنتجت السياسات التحررية لجمال مبارك غضبا شعبيا ظل يتراكم حتى قاد إلى الثورة، فإن صناع مشروع «النهضة» يتبنون رؤية نيوليبرالية مماثلة، لكنهم يثقون فى أنها ستنجح تلك المرة فى إطلاق قوى السوق وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وطبقا لتقرير أعدته مؤخرا وكالة بلومبرج أشارت إلى أن «مليونيرات مثل خيرت الشاطر وحسن مالك، من المرجح أن يشكلوا قيادة للإخوان المسلمين تمثل وجها نيوليبراليا للحزب وللجماعة، فهذان الإخوانيان اللذان ينتميان إلى طبقة ال1% من المجتمع، يعتقدان أنهما يقدران على دعم طبقة جديدة من رجال الأعمال، وأيضا على تحسين حياة فقراء المصريين، واجتذاب استثمارات من الخارج».
وقد تميز خطاب خيرت الشاطر، القيادى بالجماعة والذى يعد صاحب مشروع النهضة، بانتقاد ممارسات نظام مبارك الفاسدة فى الوقت الذى لم ينتقد السياسات الاقتصادية ذاتها. «ميزانية الوطن تركزت فى أيدى 100 من أزلام النظام البائد وتركوا الشعب تحت خط الفقر» كما جاء على لسان الشاطر فى أحد المؤتمرات الشعبية.
ومن التصريحات المهمة أيضا للشاطر، ما قاله أمام جمعية صناع مصر، بأنه لن يقف ضد أى رجل أعمال يحقق ربحا حتى لو وصل إلى تريليون جنيه مادام يدفع حق الدولة. فى ذات الوقت الذى يؤكد فيه أنه لا يميل إلى فرض ضرائب تصاعديه على أصحاب الدخول المرتفعة.
لا مساس بضريبة غالى
«الفكرة الأساسية لمشروع النهضة أن مصر غنية بمواردها، ولكن أسلوب إدارة الموارد والفساد هما السبب الرئيسى فى الأزمة الحالية. نتطلع إلى أن يصبح الاقتصاد المصرى اقتصادا تنمويا ومتنوعا، ويضمن لكل مصرى حياة لائقة» كما يقول أشرف سرى، الخبير فى إدارة الأعمال، وأحد المشاركين فى إعداد مشروع النهضة.
وترتكز معارضة معدى «النهضة» لسياسات مبارك الابن الاقتصادية، على أنها منحت امتيازات واسعة للقطاع الخاص من دون أن تفرض سياسات اجتماعية تخفف من الضغوط التى تتسبب فيها تلك السياسات التحررية. «لقد منحت الدولة للمستثمرين ضرائب مخفضة، وأراضى رخيصة الثمن، وطاقة مدعمة، وتركت الشركات الخاصة تبيع المنتجات بأسعار مغالى فيها، كان من الممكن أن تدخل الدولة مثلا كشريك فى بعض المشروعات وتوجه أرباحها إلى دعم المنتجات للفئات المحتاجة» كما يقول سرى.
وبينما وجهت انتقادات عنيفة لتخفيض وزير مالية مبارك يوسف بطرس غالى لضريبة الدخل على الشرائح الغنية عند 20%، وتم رفعها ب5% فقط بعد الثورة، فإن برنامج النهضة لا يحمل أى نص واضح حول تعديل سعر ضريبة الدخل على الشرائح الأكثر ثراء، ولا يتجه إلى فرض ضرائب على أنشطة معفاة مثل الأرباح الرأسمالية، وأوضح سرى أن معدى المشروع كانوا حريصين على مراعاة عوامل المنافسة واجتذاب القطاع الخاص عند إعداد السياسات المالية.
وفى ظل الحفاظ على السياسات المالية الحالية، يتطلع معدو مشروع النهضة إلى تطبيقات لتحسين استغلال الموارد، كتشجيع القطاع الخاص غير الرسمى على الدخول فى النطاق الرسمى، والذى يمثل 82% من الاقتصاد المصرى بتقديرات سرى، وإعادة تنظيم الإنفاق العام «لدينا ميزانية ضخمة للإنفاق على التعليم، ولكن 40% من النفقات التعليمية توجه إلى مجالات لا علاقة لها بالمنتج التعليمى الذى يستفيد منه الطالب مباشرة».
زيادة الإنفاق الاجتماعى
ويتبنى برنامج النهضة عددا من أوجه التوسع فى الإنفاق الاجتماعى، حيث يتطلع إلى زيادة مخصصات الإنفاق على الصحة فى الموازنة بنهاية الفترة الرئاسية إلى 12%، وزيادة عدد الأسر المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعى من مليون ونصف إلى 3 مليون أسرة. وإلى جانب ذلك يركز برنامج الإخوان بدرجة كبيرة على التوسع فى مشروعات تنموية بالمشاركة مع القطاع الخاص «هذه أحد الطرق الناجحة فى تمويل المشروعات العامة ما يتراوح بين 60% و65% من مشروعات البنية الأساسية فى العالم يتم تنفيذها بالمشاركة مع القطاع الخاص».
وكان وزير مالية الرئيس المخلوع قد أسس وحدة متخصصة فى وزارته للمشاركة مع القطاع الخاص فى مجالات مثل الأبنية التعليمية والبنية الأساسية «لقد شاب بعض تلك المشروعات عدم النزاهة فى المناقصات، كما أن الكثير منها لم يتم إعداده وفق رؤية عامة للحكومة ولكن بمقترحات من المستثمرين، علاوة على أن التخطيط لتلك المشروعات كان مركزيا، ونحن نتطلع إلى أن تتم بشكل لا مركزى» كما يقول سرى.
وتمتد دائرة الاعتماد على القطاع الخاص إلى مجالات إنشاء المدن المتكاملة فى الظهير الصحراوى وادارة القطاع الخاص إلى أنشطة التعليم والصحة، ويؤكد سرى على أن تلك التدخلات لن تنعكس على أسعار الخدمات المدعمة «لقد درسنا تجارب ناجحة فى تلك المجالات، مثل تجربة سنغافورة فى تقديم التأمين الصحى ل95%، معتمدة جزئيا على القطاع الخاص، وتجارب الإمارات وقطر والأردن فى الاعتماد على القطاع الخاص فى نشاط التعليم».
وللقطاع الخاص دور كبير أيضا فى تمويل المشروعات المتناهية الصغر برؤية الإخوان «هناك تجارب دولية ناجحة لصناديق تمويلية من القطاع الخاص، تقوم بمشاركة المشروعات المتناهية الصغر وتنميتها، نتطلع إلى اجتذابها إلى السوق المصرية»، كما يقول سرى، مضيفا أن الحرية والعدالة عرض دراسة على الصندوق الاجتماعى لإعادة هيكلة نظامه المالى على النظام الإسلامى.
وعلى مستوى المشروعات الكبرى، تضم خطة الحرية والعدالة نحو 100 مشروعا ضخما «نثق فى القدرة على توفير التمويل الملائم لهم» كما يضيف سرى.
فيما يراهن برنامج الإخوان الاقتصادى على أن نجاحهم فى مكافحة الفساد سيسهم فى تخفيض معدل التضخم ليكون نصف معدل النمو الاقتصادى «نصف معدل التضخم الحالى سببه الممارسات الاحتكارية وهو ما سنسعى إلى مكافحته».
الشاطر ومبارك الابن
«الشاطر يشبه جمال مبارك فى توصيفه للازمة الاقتصادية المصرية على أنها مشكلة إدارة للموارد. فى الحالتين كان الأمر فى حقيقته هو عدم الرغبة فى مواجهة مراكز القوى الاجتماعية لإعادة توزيع الموارد، وبدون توزيع عادل للثروة لإصلاح مجالات مثل التعليم لن تستفيد قطاعات كبيرة من المجتمع من النمو الاقتصادى» على حد قول عمرو عادلى الباحث الاقتصادى ورئيس وحدة العدالة الاجتماعى بالمبادرة المصرية للحقوق الاقتصادية.
ويعتبر أشرف الشريف المحاضر فى الجامعة الأمريكية والمتخصص فى التيارات الإسلامية «أن الرؤية الاقتصادية الحالية للإخوان، بقيادة تيار خيرت الشاطر على يمين جمال مبارك، ومن شواهد ذلك تبنيها سياسات تعتمد على الاستثمارات الخاصة لتحقيق الأهداف الاجتماعية، بدلا من إعادة توزيع الثروة داخل المجتمع، من خلال سياسات كالضرائب التصاعدية. هذا إلى جانب تركيز الإخوان على فكرة التكافل الاجتماعى، فهى بذلك تقترب من نموذج اليمين الأمريكى، المتمثل فى الحزب الجمهورى ومفاهيمه عن التنمية الإيمانية والاقتصاد الأخلاقى» يقول الشريف.
مصر ليست تركيا.. والشاطر ليس أردوغان
وبينما يرى العديد من مناصرى مشروع النهضة أنه سيضع مصر على طريق تكرار تجربة حزب العدالة والتنمية فى دفع الاقتصاد التركى إلى الانطلاق، يرى آخرون أن هناك اختلافا كبيرا بين الظروف التى طبق فيها الحزب التركى تجربته الاقتصادية، وظروف مصر حاليا «حزب العدالة والتنمية جاء بعد سنوات طويلة من الحكم العسكرى. وفى هذه الفترة تم تحرير الاقتصاد مع تقييد الحريات السياسية بشكل قوى للغاية. لذا عندما جاء العدالة والتنمية للحكم وجد الطريق ممهدا لتطبيق سياسات يمينة. تجمع بين اقتصاد السوق الحر، والنمو الاقتصادى. ليحقق معدلات نمو مرتفعة تتراوح بين 8% و9% من قطاعات مثل التصدير والسياحة والنقل. وحتى تلك التجربة الناجحة شابها الكثير من السلبيات فى مجالات التعليم والصحة. وهو ما أثر بشكل كبير على عدالة توزيع ثمار هذا النمو. علاوة على أن تركيا لم تنجح فى التحول إلى الصناعات العميقة» تبعا لعادلى.
ويرى الباحث فى المبادرة المصرية أن هناك اختلافات ستمنع الشاطر من تكرار تجربة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان «الثورة فى مصر قامت ضد سياسات النمو غير العادلة، ولا تستطيع أى سلطة فى مصر أن تمارس الاستبداد الآن بعد انهيار الدولة الأمنية. أعتقد أنه لا توجد فرصة كبيرة لتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية إلا من خلال صراع سياسى لإعادة توزيع الثروة، وهذا ما يحاول مشروع النهضة تجنبه من خلال تجنب سياسات مثل الضرائب التصاعدية».