فى الثامنة والنصف من صباح أمس، كان محمد خليل فى طريقه لأداء مهمة خاصة جدا، «قررت أروح السفارة فى برن عشان أراقب عملية فرز الأصوات». لمدة جاوزت الساعتين بقليل، جلس خليل مع صديقه المهندس باسم دخان، ليساعدا ويراقبا لجنة الفرز، «الحقيقة أن عملية الفرز كانت مثالا للشفافية البحتة».
دليل الشفافية كما يوضحه خليل، أن الأظرف المغلقة كانت تحتوى جوابات من مختلف أنحاء سويسرا، بعثها المصريون للسفارة وبها اسم المرشح الذى اختاروه، «من كل حتة فيه جواب مختلف».
وجاءت نتائج الفرز ليحتل حمدين صباحى المركز الأول، يليه عبدالمنعم أبوالفتوح، وجاء فى المركز الثالث عمرو موسى، فى حين جاء المرشح الإخوانى محمد مرسى فى المركز الخامس بعد أحمد شفيق.
عندما قرر خليل أن يشارك فى الرقابة على عملية الفرز مع صديقه، كان الدافع «أن أشارك ولو بقدر يسير فى الحفاظ على أصواتنا من التزوير».
ولكن هاجس تزوير الانتخابات لم يترك المصريين المهاجرين فى سويسرا، «ومهما قلت للناس برده يقولوا هتتزور».
لم تنجح محاولات التوعية لبعض الشباب الناشط هناك، أن تجتذب أكثر من ألف صوت، لم يشارك كلهم فى الانتخابات أيضا.
جاءت نسبة المشاركة ضعيفة جدا، فكان عدد الأصوات 640 صوتا، من بين 11 ألف مصرى يعيش فى سويسرا وإمارة لختنشتاين، على الحدود السويسرية.
حصل حمدين على 207 أصوات، وأبوالفتوح على 151 صوتا، أما موسى فأخذ 140 صوتا، ولم يحصل مرسى على أكثر من 37 صوتا.
«الناس هنا خائفة من سيطرة التيار الدينى»، خليل اختار حمدين، «لمواقفه الشجاعة، ولأنه قد يحدث نوعا من التوازن أمام القوى الإسلامية»، أما صديقه باسم دخان فقد اختار أبوالفتوح، «لأنه يراه مثالا للوسطية المعتدلة».
محمد مرسى مرشح الإخوان، «لم يكن له تواجد، على الرغم من أنه المرشح الوحيد الذى يوجد له نائب، وحضر معنا الفرز».
مشاركة خليل فى الفرز كانت الأولى له، بعد أن أصبح عضوا فى مجلس إدارة الجالية المصرية، ولكن بعض المصريين هناك شهدوا عملية الفرز فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، «وكانت نزيهة أيضا».
يتذكر خليل فرق المعاملة التى تقدمها سفارة برن له وزملاؤه بعد وقبل الثورة.
فقبل يناير 2011، «كان عمرى ما أفكر أروح السفارة أبدا»، أما الآن «المعاملة تغيرت تماما»، يحكى خليل عن الاستقبال الجيد الذى استقبله سفير مصر مجدى شعراوى والوزير المفوض عمرو عبدالوارث، للجنة الرقابة الشعبية عن الفرز.
أما نشاطات الجالية نفسها فقد انتشرت، فغدا تقييم الجالية عرضي لفيلم عن ثورة يناير، ومع بداية الشهر القادم، سوف تنظم الرابطة أمسية «لمغنى ثورجى عايش معانا هنا»، المغنى المهاجر له أغنية كان يغنيها المصريون فى سويسرا، اسمها «انزل غلاسة امنع حتى الفلول».
خليل وباسم، شارك كلا منهما «بس مش غلاسة»، ولكن عن اقتناع.
مع بداية الثورة نظم الصديقان مع 200 مصرى مظاهرات صغيرة لتأييد الثورة، وحاليا تقوم الجالية بجمع تبرعات من أجل المصابين، وأسر الشهداء.
منذ تسع سنوات خرج خليل من الإسماعيلية، بعد أن أنهى دراسته للسياحة والفنادق، سافر إلى سويسرا بحثا عن حياة وكرامة فقدها فى وطنه، وبعثت له الثورة الأمل فى استعادتها.
ولكنه لن يعود قبل أن يكون الوطن أفضل، «فيمكن بعد خمس سنوات، أكلمك وأنا فى مصر».
وينهى خليل حديثه عبر التليفون، وهو مازال يتمنى «يمكن أرجع .. يا ريت»، ويخيم الصمت الرهيب، ولا تقطعه إلا صفارة الهاتف.