يشكل الاتفاق الذي تم التوصل اليه في اسطنبول بين ايران والقوى الكبرى من اجل اعادة اطلاق عملية مفاوضات حول البرنامج النووي الايراني، خطوة اولى صغيرة على الطريق الطويل لاعادة بناء الثقة بين طهران والدول الغربية بحسب المحللين. وقال المحلل بيتر كريل من "جمعية مراقبة الاسلحة" (ارمز كونترول اسوسييشن) ومقرها واشنطن "من المبكر جدا القول بان الصفحة قد طويت". واضاف كريل لوكالة فرانس برس "لدينا اتفاق يطلق عملية مفاوضات تسمح بالتطرق الى مواضيع تقنية جدا، وهذا كان اقصى ما نتوقعه، ولكن ما زال هناك الكثير الذي يجب القيام به". وقررت ايران ومجموعة 5 زائد واحد (الاعضاء الدائمين في مجلس الامن والمانيا) العودة في 23 مايو الى بغداد لتحديد اطار تفاوضي حول الملف النووي الايراني. واشار الطرفان الى ان محادثات اسطنبول كانت "ايجابية".
وقال المحلل برونو ترتريه من مؤسسة الابحاث الاستراتيجية في باريس ان اتفاق اسطنبول "لا يمكن اعتباره اختراقا، فالاختراق الحقيقي يمكن تحقيقيه خلال الاجتماع المقبل". واضاف "سيكون بامكاننا الحديث عن اختراق فقط عندما تقبل ايران بعمليات التفتيش الضرورية، فحتى الآن، هناك فقط محادثات".
وقالت رئيسة الدبلوماسية الاوروبية كاثرين اشتون التي تقود مجموعة 5+1 انه يتعين على ايران ان تقبل بالقيام بخطوات "ملموسة" اذا ما كانت ترغب فعلا بالتخلص من الضغوط الدولية. ومن هذه الخطوات خفض عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وهو تخصيب يهدف بحسب طهران الى صناعة وقود نووي لمفاعل ابحاث طبية وانما يمكن اذا ما بلغ نسبة 90% ان يستخدم في صناعة القنبلة النووية.
وتثير عمليات التخصيب الايرانية مخاوف المجتمع الدولي، لاسيما اسرائيل، اذ تشتبه عدة دول بان ايران تسعى الى صناعة اسلحة نووية، فيما تنفي ايران ذلك قطعا. وتابعت ايران برنامجها النووي متجاهلة هذه المخاوف عبر اطلاق عمليات تخصيب بنسبة 20% في منشأة فوردو (150 كلم جنوبطهران)، وهي منشأة تقع تحت جبل وهي بالتالي محمية من اي هجمات عسكرية قد تشن على البرنامج النووي.
ويمكن ان تطلب الدول الغربية من ايران خلال اجتماع بغداد بالتوقيع على البرتوكول الاضافي لمعاهدة عدم انتشار التسلح النووي، ما قد يسمح بعمليات تفتيش اكثر تقدما. وكررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الاخيرة بانها "غير قادرة على التاكيد بانه ليس هناك نشاطات نووية غير معلنة" في ايران، وذلك في ظل عدم وجود "تعاون كاف" من قبل طهران.
الا ان المحللين يجمعون بان ايران لن تتراجع ما لم يكن هناك قرار حول رفع تدريجي للعقوبات التي فرضت عليها من قبل مجلس الامن والدول الغربية. وتقع ايران تحت طائلة ستة قرارات دولية بينها اربعة تنص على عقوبات، وقد عززت هذه العقوبات في 2010 بحظر تجاري ومالي ونفطي فرضته الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي.
كما انه يفترض ان يتخذ الاتحاد الاوروبي قرارا بشان فرض حظر تدريجي على ايران، فيما من المتوقع ان تعلن الولاياتالمتحدة عقوبات جديدة في نهاية حزيران/يونيو على صادرات الخام الايرانية. وقال ترتريه انه "من الممكن توقع عملية تهدئة، ولكن فقط في حال تم تحقيق اختراقات من الجانبين بالتوافق".
والخطوة الاولى من جانب المجتمع الدولي بحسب ترتريه يمكن ان تتمثل في تقديم مجموعة 5+1 تعهدات بعدم فرض عقوبات اضافية على ايران وتجميد بعض العقوبات المقررة ومن ثم رفع بعض هذه العقوبات. واضاف "لكن لا يمكنني ان اتخيل كيف يمكن ان تتقدم دول مجموعة 5+1 في هذا الاتجاه ما لم يتم تحقيق تقدم من جهة ايران ايضا".
من جهته، اعتبر المحلل مارك هيبس من معهد كارنيغي للسلام، ان "جلوس ايرانوالولاياتالمتحدة على طاولة مفاوضات مباشرة يمكن ان يشكل امرا ايجابيا اذا ما كان هناك ارادة سياسية من قبل الطرفين". الا ان الخصومة بين طهرانوواشنطن لا تزال كبيرة جدا بحسب هيبس، وقد تجلى ذلك في رفض الوفد الايراني اجراء لقاء ثنائي مع الولاياتالمتحدة خلال اجتماعات اسطنبول.