مرتفعا 2.2%.. 70 جنيها زيادة في أسعار الذهب في مصر خلال أسبوع    وزير الصحة يستقبل المدير الإقليمي للتنمية البشرية بالبنك الدولي لتعزيز سبل التعاون    جهاز حماية المنافسة يفوز بجائزة شرفية من البنك الدولي    جهود مصر لوقف إطلاق النار بغزة.. الرئيس السيسى يتلقى اتصالا من بشار الأسد.. إنفوجراف    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    بعد وفاة أحمد رفعت.. رئيس وادي دجلة: يجب إلغاء الدوري حتى لا يموت الآخرون    الثانوية العامة 2024.. تباين آراء طلاب الغربية حول امتحاني الكيمياء والجغرافيا    إصابة طالبة بآلام في البطن أثناء أداء امتحانات الثانوية العامة بقنا    دفن جثة طالب توفي إثر سقوطه من الطابق الخامس بأكتوبر    إيرادات فيلم ولاد رزق 3 في مصر تقترب من الربع مليار جنيه    سعد الصغير ناعيًا أحمد رفعت: «يجعل شبابك في الجنة يابني»    الشفافية وترشيد النفقات.. تعرف على أهم تعليمات وزير قطاع الأعمال الجديد ل رؤساء الشركات القابضة    رئيس «قيد الصحفيين» يعلن موعد جلسة مقابلة المتقدمين ل«تحت التمرين» (تفاصيل)    جامعة بنها تتقدم 65 مركزًا عالميًا بمؤشر التأثير العلمي بتصنيف ليدن الهولندي 2024    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    التغيير يبدأ الآن.. صحف بريطانيا تعلق على بدء حكومة كير ستارمر العمالية    الخشت: جامعة القاهرة تواصل تقدمها العالمي وتحتل المركز 260 عالميًا في تصنيف ليدن الهولندي 2024    صاروخية السودان وركلة حرة رائعة.. أبرز أهداف أحمد رفعت خلال مسيرته    سويلم: ميكالي رفض توقف الدوري.. الأهلي يعرف كل شيء ولكنني لم أتحدث عن إبراهيم عادل    نائب بالشيوخ: استئناف الحوار الوطني يعكس حرص القيادة السياسية والحكومة الجديدة    ملك تايلاند يستقبل شيخ الأزهر ويشيد بجهود الأزهر في نشر وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش المشترك    أسعار العملات اليوم السبت 6-7-2024 بالبنوك العاملة في مصر    ضبط 341 قضية مخدرات و153 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    وزير التعليم يتابع سير امتحانات الثانوية: «وضع مصلحة الطلاب وتوفير كافة سبل الراحة لهم على رأس الأولويات»    اعتدى عليها جنسيًا.. وصول المتهم بقتل الطفلة السودانية «جانيت»    انخفاض أسعار الحديد اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    ‫وزير الزراعة يبحث الملفات العاجلة وتطوير الثروة الحيوانية    الحكومة الجديدة «خلية نحل».. رئيس الوزراء يوجه بالإسراع فى تنفيذ المبادرة الرئاسية "100 مليون شجرة"    تعديل موعد الدورة 17 من المهرجان القومي للمسرح، اعرف التفاصيل    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    تزامنا مع الاحتفالات برأس السنة الهجرية.. من أول من اعتمد التأريخ بالتقويم الهجري في التاريخ؟    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى عين شمس العام    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    وفاة أحمد رفعت.. هل الضغوط النفسية سبب الوفاة المفاجئة؟    قائد القوات الجوية الأوكرانية: إسقاط 24 مسيرة روسية من طراز شاهد    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحان الجغرافيا للثانوية العامة    غارات جوية تستهدف المناطق الشمالية من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    اسعار الأسماك اليوم 6 يوليو بسوق العبور    سرايا القدس: عدم قدرة جيش الاحتلال على مواصلة الحرب ستجبر حكومة نتنياهو على قبول أي اتفاق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 6-7-2024    انتظام طلاب الثانوية العامة في دمياط لأداء امتحان الكيمياء والجغرافيا    عاجل.. الزمالك يرد على أنباء حرمانه من الجماهير أمام الأهلي بالسوبر الأفريقي    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    هيثم عرابي ينعى أحمد رفعت لاعب مودرن سبورت    البابا تواضروس الثاني يترأس القداس الإلهي وسيامة آباء كهنة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الأونروا تحذر من خطر القنابل غير المنفجرة بين البيوت في غزة    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    مؤلف ففرقة العمال المصرية: أمضيت 7 سنوات في توثيق مشاركة نصف مليون مصري في الحرب العالمية الأولى    رئيس رابطة النقاد الرياضيين: التنافس بين الأندية والمنتخب الأولمبي يهدد استكمال الدوري    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    رأس السنة الهجرية 1446.. أجمل التهاني والأدعية    «هنمنع عنكم طائرات الأباتشي».. نبيل فهمي يكشف تهديد أوباما بعد ثورة 30 يونيو (فيديو)    الصحة العالمية تحذر من مادة مسرطنة يستخدمها الملايين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام الديمقراطية الأخيرة
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 04 - 2012

وصل الأمر فى نهاية شهر فبراير 1954 إلى نقطة أصبحت فيها مصر على شفا صدام عنيف بين أطراف الصراع، أنصار الديمقراطية من ناحية وأنصار الحكم الاستبدادى الذين كانوا يرفعون شعار «استمرار الثورة» من ناحية أخرى، فقد أخذت بوادر الصدام شكلا خطيرا عندما حاصرت مجموعات من الأسلحة المختلفة سلاح الفرسان باعتباره الداعم الرئيسى لجناح محمد نجيب وخالد محيى الدين، وعندما خرجت المظاهرات الشعبية إلى الشارع واصطدمت بها قوات البوليس الحربى والشرطة وسقط جرحى من الجانبين، ورغم قرار إغلاق الجامعات واعتقال أكثر من مائة من قوى سياسية مختلفة من الإخوان والوفديين والشيوعيين والاشتراكيين وغيرهم فقد استمرت حركة المطالبة بالديمقراطية فى تصاعد. وهذا ما اضطر عبدالناصر إلى أن يتجه اتجاها جديدا ويغير من خطته، ويقبل بعودة نجيب لكن دون تولى خالد محيى الدين رئاسة الوزارة مع استمراره هو نفسه فى المنصب، لكن إلى حين.

ومع تصاعد الاصطفاف خلف محمد نجيب من معظم القوى التى تدافع عن الديمقراطية، واستمرار محمد نجيب فى مهاجمة كل الإجراءات المعادية للديمقراطية، اتخذ مجلس قيادة الثورة مجموعة من القرارات المهمة يومى 4 و5 مارس 1954: ونصت هذه القرارات على اتخاذ الإجراءات فورا لتشكيل الجمعية التأسيسية بالانتخاب المباشر، على أن تجتمع يوم 23 يوليو 1954 وتتولى مهمة وضع دستور للبلاد، كما تباشر سلطات البرلمان لحين وضع الدستور وانتخاب برلمان جديد، كما تقرر إلغاء الرقابة على الصحف والنشر اعتبارا من يوم 6 مارس 1954، والتعهد بإنهاء العمل بالأحكام العرفية قبل انتخاب الجمعية التأسيسية.

وفى 8 مارس صدر قرار بأن يجمع محمد نجيب مناصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء، ويعود عبدالناصر نائبا لرئيس مجلس الوزراء ونائبا لرئيس مجلس الثورة، كما صدر مرسوم فى نفس اليوم بتعيين نجيب حاكما عسكريا عاما.

وبصدور قرارات 8 مارس بعودة سلطات نجيب كاملة وتقليص دور جمال عبدالناصر بدا الأمر كما لو كان الاتجاه الداعى للديمقراطية قد حقق الانتصار فى معركته، وبدأ أعضاء مجلس قيادة الثورة يناقشون مستقبل تنظيم الضباط الأحرار ويدرسون تشكيل حزب جمهورى أو اشتراكى جمهورى، وكان الأكاديمى اليسارى الدكتور راشد البراوى يعاونهم فى صياغة برنامجه.

وطوال الأيام التالية من شهر مارس كان كل فريق يحشد قواه: معسكر أنصار الديمقراطى الذى يضم عددا من القوى السياسية القديمة وعلى رأسها حزب الوفد، كما يضم الاشتراكيين والشيوعيين وفئات واسعة من المثقفين والمهنيين والأكاديميين وطلاب الجامعات، تمثلهم نقابات الصحفيين والمحامين وجمعيات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات والاتحادات الطلابية، كما كانت العديد من النقابات العمالية ضمن هذا التحالف من أجل الديمقراطية.

وعلى الجانب الأخر كانت بعض القوى السياسية القديمة التى كانت تتخذ موقف العداء من حزب الوفد وتخشى من عودة الديمقراطية والحياة النيابية والحزبية حتى لا يسيطر الوفد على الساحة السياسية، وكان هذا الفريق يضم عددا من رجال القانون الذين مكنوا لرجال يوليو طوال ما يقرب من عامين من إلغاء الدستور وتجاوز البرلمان المنتخب وروجوا لمقولة «الشرعية الثورية» التى ذبحت الديمقراطية بسكينها.

أما موقف الضباط الأحرار فيلخصه الرئيس محمد نجيب فى مذكراته بقوله: «أما الضباط الأحرار، فقد كان البعض منهم يرتبط بمبادئ يقتنع بها، جانب منهم وقف معى، مع الديمقراطية، وتعرض من ذلك لأخطار حرمتهم فيما بعد من حريتهم والأمن فى مستقبلهم، وجانب آخر وقف مع جمال عبدالناصر معتقدا أن موقفى يعتبر تراجعا عن أهداف الثورة. والبعض منهم لم يكن مرتبطا بأية مبادئ، كان حريصا على المحافظة على مصالح نعم بها واستفاد منها، وجانب منهم كان قد تورط فى أعمال قذرة جعلتهم يواجهون خطر المحاكمة إذا ذهبت اليد المساندة لهم».

وبدأ المعسكر الديمقراطى يصعد من هجومه مطالبا بإنهاء الأحكام العرفية فورا وعودة الجيش إلى ثكناته وابتعاده عن العمل السياسى، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين فورا، وعودة الأحزاب السياسية، وفى نفس الوقت كان نجيب يسعى لإصدار تشريع يتم بمقتضاه استفتاء الشعب على النظام الجمهورى وعلى اختياره لرئاسة الجمهورية فى تلك المرحلة الانتقالية، فى محاولة منه كما يقول: «للحصول على تفويض شعبى يجعل اتجاهى للديمقراطية ذا صفة شرعية».

ووضع سليمان حافظ المعادى للوفد والدكتور عبدالجليل العمرى مشروعا لنظام الحكم أثناء الفترة الانتقالية تضمن تنظيم العلاقة بين رئيس الجمهورية ومجلس قيادة الثورة، كما تضمن النص على إنهاء الأحكام العرفية فى 18 يونيو 1954 ذكرى إعلان الجمهورية، وإجراء انتخابات الجمعية التأسيسية على أساس غير حزبى، وإجراء استفتاء شعبى على إعلان الجمهورية وتعيين الرئيس نجيب وقانون الإصلاح الزراعى، دون تحديد موعد لإجراء الانتخابات أو الاستفتاء.

ومع استمرار الضغوط من المعسكر الديمقراطى من أجل الإسراع بإجراءات العودة للديمقراطية، خاصة فى ظل استمرار اعتقال القيادات السياسية وتعرضهم للاعتداءات فى السجن الحربى، عقد مجلس قيادة الثورة اجتماعا فى 25 مارس 1954 طرح فيه عبدالناصر مشروع قرار «تصفية الثورة»، واقترح عبداللطيف بغدادى مشروعا مضادا بإلغاء قرارات 5 مارس و«استمرار الثورة» والتوسع فى إجراءات التطهير والمحاكمات، بينما اقترح خالد محيى الدين بديلا ثالثا بالإبقاء على قرارات 5 مارس وإجراء الانتخابات على أساس غير حزبى وحرمان من طُبق عليهم قانون الإصلاح الزراعى أو شاركوا فى إفساد الحياة السياسية أو أيدوا قوانين معادية للحريات من المشاركة، مؤكدا أن الانتخابات ومعركة الدستور ستفرز قوى سياسية جديدة وأحزابا جديدة.

وهنا أصر عبدالناصر على التصويت على واحد من اقتراحين فقط، اقتراحه الذى حصل على ثمانية أصوات، واقتراح بغدادى الذى حصل على أربعة أصوات فقط هى أصوات جمال سالم وصلاح سالم وحسن إبراهيم بالإضافة إلى بغدادى نفسه.

وعندئذ صدرت قرارات 25 مارس 1954، والتى نصت على أن يتم حل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو 1954 مع عدم السماح للمجلس بتكوين حزب سياسى، وعلى السماح بقيام الأحزاب، كما نصت على عدم جواز الحرمان السياسى، وعلى إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية بحرية كاملة، وأن يكون لها سلطة البرلمان.

لكن هل كان هناك انقسام حقا داخل مجلس قيادة الثورة؟

ذهب الدكتور عبدالعظيم رمضان فى كتابه «عبدالناصر وأزمة مارس 1954» إلى «أن الاقتراحين بتخطيط واحد»، وأظنه كان محقا تماما فى ذلك، فقد رأى عبدالناصر وقتها أن المخرج الوحيد من الأزمة أن يصل بالأمور إلى منتهاها، ليستنفر أقصى طاقة القوى الرافضة لعودة الديمقراطية.

وهذا ما حدث بالفعل فى الأيام التالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.