رغم أن شاعر المقاومة الفلسطينية راشد حسين توفي بحريق عام 1977 فقد بقيت أشعاره، وتلك الأسس التي أنشأها حول شعر المقاومة وأدبها تشغل حيزا كبيرا في ذاكرة أبناء الشعب الفلسطيني، وتمثل مدرسة لجيل ناشئ من الشعراء الشباب. انطلق حسين في مسيرته الأدبية وشعره الثوري بقوة وزخم، لكونه ولد مع الهم الفلسطيني في أوج الثورة ضد الاستعمار البريطاني عام 1936 ليعيش النكبة بفصولها وقد بلغ من العمر 12 عاما، ليخرج شعبه من حالة الإحباط واليأس.
تمرد بكلماته وأشعاره على إسرائيل ورفض حكمها العسكري، ليكون الرائد في وضع حجر الأساس لأدب المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى ممارسته للمقاومة عمليا، حيث كان ضمن مؤسسي ونشطاء "حركة الأرض" في الداخل، وهي من أوائل الحركات الفلسطينية التي مارست الكفاح ضد إسرائيل.
الصواريخ والفجر
وكما كان قلب راشد محترقا بنيران الهم الفلسطيني، فإنه توفي بالمنفى عام 1977 اختناقا بحريق غامض في منزله بنيويورك، ولكن تظل أشعاره متوهجة بالذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، تخاطب وجدانه وتحرك مشاعره الوطنية لتنير درب المقاومة وتقتل ظلام تشويه القضية.
واستذكر شقيقه رياض حسين الانطلاقة الأدبية والثقافية لراشد الذي بدأ كتابة الشعر في مرحلة دراسته الإعدادية. وأصدر ديوانه الأول "صواريخ" في ال20 من عمره وتمرد على الاحتلال والاستعمار عندما قال "سنفهم الصخر إن لم يفهم البشر- أن الشعوب إذا هبت ستنتصر" وأتبعه بديوان "الفجر" ليكون أول شاعر ثوري بالداخل.
حاجز الخوف
يتحدث رياض عن شقيقة فيقول "تخطى راشد بكلماته حاجز الخوف الذي رافق شعبنا عقب النكبة، وعبر بقصائده عن مشاعر الجماهير وجسد الواقع، فبات رمزا للأدب المقاوم، وعبر شعره عن لسان كل فلسطيني".
ولفت، في حديثة للجزيرة نت، إلى أن شقيقه توفي ولم يتم 41 عاما، ورغم أن حياته كانت قصيرة، فإنه ترك إرثا غنيا للساحة الثقافية والحضارية "فبقيت بصماته راسخة على سيرورة التحدي والمقاومة للشعب الفلسطيني".
ويرى أن تراث شقيقه سيبقى خالدا في التاريخ الفلسطيني والعربي، لتتناقله الأجيال الناشئة التي تتوق إلى شعر وأدب المقاومة وتبحث عن الكلمة التي تمنحها القوة والأمل.
وفي هذا السياق، يبدو جليا لجوء الجيل الفلسطيني الشاب من الشعراء والأدباء إلى شعر المقاومة الذي وضع حسين أسسه في ظل أوضاع عصيبة تعصف بالقضية الفلسطينية، منها حصار غزة والاعتداء المستمر عليها إلى جانب الاستيطان بالقدس وقضية الأسرى.
نشئة الأجيال
من جهته يسعى، عضو اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين، الشاعر أحمد أبو بكر -مع العشرات من الأدباء والشعراء والناشئين منهم على وجه الخصوص- إلى إكمال سيرة ومسيرة تراث شعر المقاومة من أجل رفع لواء الثقافة والحضارة والحفاظ على الهوية الفلسطينية بالداخل.
وعن تأثر الأجيال الناشئة بشعر ونثر راشد حسين، يقول أبو بكر للجزيرة نت "شخصت كلماته وأشعاره الماضي والمرحلة والمستقبل، وتمتع ببصيرة رافقت وصوبت واقع الشعب الفلسطيني والأمة العربية، فأشعاره وإن ألفها بخمسينيات القرن الماضي لكنها معاصرة ومشعة وتحاكي واقع المرحلة وتضيء مسيرة الأجيال الشابة بصنع المستقبل وكتابة التاريخ".
وأكد أن حسين رحل بجسده، لكن تراثه ما زال راسخا بالثقافة الفلسطينية وبات مرجعية لتنشئة وتربية الأجيال، وصقل الهوية والشخصية للأجيال الناشئة لتلتزم نهجا ثوريا ومواقف نضالية دون مساومة، وتحصينها من المؤامرة الإسرائيلية لطمس الهوية والوجود.
واختتم حديثه بالقول "شعر حسين بمثابة تلخيص للحالة الفلسطينية والذاكرة الجماعية لشعبنا، وكلماته وكأنها لم تكتب قبل عقود، ما زالت تضج بحياة كل فلسطيني، وتخوض بعمق التجربة النضالية لشعبنا بكل أماكن وجوده".
وعلى صعيد مواز، شارك المئات من فلسطينيي 48 بالأمسية الثقافية الملتزمة "وفاء لراشد" إحياء للذكرى ال35 لرحيل رائد شعر المقاومة الفلسطينية الذي ولد في مارس عام 1936 بقرية مصمص بالمثلث.
وتخللت الحفل وقفات موسيقية ملتزمة، وقراءات شعرية ألقاها العديد من الشعراء والأدباء، إلى جانب كلمات لرفاق دربه وعائلة راشد حسين.