أكدت باحثة مصرية أن أطفال الشوارع ليسوا "فئة مجرمة"، وأوضحت أن عنفهم ضد الذات والمجتمع هو رد فعل على عنف المجتمع ضدهم. وطرحت ظاهرة أطفال الشوارع نفسها إعلامياً بعد مشاركة عدد من الفتيان في مظاهرات بميدان التحرير وسط القاهرة في ديسمبر.
وشكّل أطفال الشوارع، الذين لا توجد إحصائية لعددهم في مصر، قلقاً اجتماعياً بعد أن وجدوا في ميدان التحرير مأوى في الأشهر الأخيرة، وظهرت تجمعاتهم فيما عُرف بأحداث مجلس الوزراء في ديسمبر ، التي راح ضحيتها نحو 17 ناشطاً، فضلاً عن إصابة المئات بأيدي قوات من الجيش المصري.
وتقول رضوى فرغلي إن لأطفال الشوارع مجتمعاً "صنعوه على أنقاض إنسانيتهم، مجتمعاً متماسكاً وإن كان مشوّهاً، من الصعب اختراقه أو التمرد عليه. واخترعوا لأنفسهم عالماً معتماً يتلقف العضو الجديد بطقس الاعتداء،
واخترعوا لأنفسهم عالماً معتماً يتلقف العضو الجديد بطقس الاعتداء، الذي أصبح أولى خطوات الاندماج" في مجتمع أطفال الشوارع، نقلاً عن تقرير لوكالة ."رويترز" أمس الخميس.
وتسجل الباحثة في كتابها (أطفال الشوارع.. الجنس والعدوانية.. دراسة نفسية) أن السلوك العدواني لأطفال الشوارع "حيلة لحماية الذات من الانهيار"، وأنه رد فعل لما تعرضوا له من امتهان مقبول ظاهرياً، ومرفوض لا شعورياً.
العدوان على الذات وترى فرغلي أن تعاطي المخدرات من أشكال العدوان على الذات لدى أطفال الشوارع. لكنها تفسّر هذا النوع من العدوان بأنه يجعلهم أكثر احتمالاً للجوع وآلام المرض.
وتضيف أن لمجتمع أطفال الشوارع قانوناً خاصاً يشمل التقسيم الطبقي والزواج والطلاق، ومن يخالف هذه التقاليد يتعرّض للعقاب داخل المجتمع المهمّش، حيث يوجد لكل مجموعة "كبير أو زعيم" مسؤول عنهم بشكل ما.
وتأمل المؤلفة أن تتغير أوضاع أطفال الشوارع "بعد ثورة 25 يناير ضمن تغيير شامل نتمناه للمجتمع" المصري الذي تمكن بعد 18 يوماً منالاحتجاجات الشعبية من إسقاط حكم الرئيس السابق حسني مبارك يوم 11 فبراير2011 وكان الكتاب في الأصل دراسة نالت بها الباحثة درجة الدكتوراه من كلية الآداب جامعة القاهرة 2010، ويقع في 149 صفحة كبيرة القطع، وصدر في القاهرة الشهر الجاري عن مكتبة الدار العربية للكتاب.
المهن الدنيا وعُني الكتاب بأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و15 سنة ممن يمتهنون مهناً دنياً في الشارع مثل جمع القمامة أو التسول أو بيع المناديل الورقية ويقيمون بالقرب من محطات القطار أو المترو والحدائق والميادين إقامة دائمة (بين سنة وسبع سنوات)، وهم ينتمون الى أسر كبيرة العدد، وكثير منهم لهم آباء وأمهات وأغلبهم أميون.
لكن رضوى فرغلي ترى أن مصطلح "طفل الشارع" قاسٍ وغير إنساني. وتقول إنها حين بدأت دراستها الميدانية تلقت تحذيرات من زملائها بأن هؤلاء الأطفال "مجرمون"، لكنها راهنت على المساحة المضيئة في ضمير أي إنسان وأن هناك جزءاً "نظيفاً" يمكن اكتشافه بعيداً عن تعميم الأحكام.
وتقدر المؤلفة عدد أطفال الشوارع في مصر - وفقاً لبعض الدراسات - بنحو 93 ألفاً، يتركز نحو 60% منهم في القاهرة، لكنها تسجل أيضاً أن تقارير منظمات أهلية قدرت أعدادهم بنحو مليوني طفلوتقول إن أطفال الشوارع ليسوا ظاهرة مصرية بل "كابوس مزعج" لبلدان العالم الثالث وبعض الدول المتقدمة أيضاً؛ حيث قدرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف" عام 1997 عدد أطفال الشوارع في العالم بأكثر من 100 مليون نصفهم تقريباً في أمريكا اللاتينية، أما الولاياتالمتحدة ففيها أكثر من مليون من أطفال الشوارع مشردين بلا عائل.
ضرائب.. الإقامة بالشوارع وتضيف أن للإقامة في الشارع مخاطر منها عدم الالتحاق بالتعليم أو التسرب منه والإساءة من قبل رجال الشرطة، والحرمان من الخدمات الأساسية والترحيل الى مدن أخرى بحجة خطورتهم على الأمن، إضافة الى الاستغلال الجنسي الذي تراه أسوأ أنواع الإساءة لأطفال الشوارع.
وتربط الباحثة بين طول فترة الإقامة في الشارع وارتفاع درجة الاستعداد للعدوان، فلدى "قدامي المشرّدين" أو أطفال الشوارع الاكبر سناً ميول عدوانية أكبر تزيد على ميول الذين أمضوا فترة قصيرة في الشارع، حيث يشكّل العدوان "وسيلة دفاعية من أجل البقاء" وتتطور وسائل الدفاع التي تمكّنهم من التعامل مع ما يظهر من مشكلات تهدد إقامتهم.
وتضيف أن طفل الشارع لا يستمد الأمن والحماية إلا من خلال وجوده في الجماعة، ولهذا يكون "الدفاع عن أفراد الجماعة والمجابهة الجماعية للمشكلات" من الأساليب المكتسبة لهم.