«بعد ما بنرسم بنحس إننا طلعنا اللى جوانا ع الحيطان». يرشف «محمد المشير» من علبة الكانز على مقهى فى وسط البلد، وحوله أصدقاؤه ليلى ماجد وعمار أبوبكر وعلاء عوض والزفتاوى، أعضاء «عصابة الجرافيتى»، المصدر الأول لكل الرسومات السياسية على حوائط وسط البلد.
الجرافيتى (Graffiti)، هو رسومات أو أحرف يتم رسمها على الجدران والجسور والأبواب والقطارات والأتوبيسات وغيرها دون إذن مسبق، بدأت ممارسته أيام الحضارة الإغريقية والرومانية، وتطور عبر الزمن، حتى صار الأشهر منه الآن الذى يتم رسمه عن طريق بخاخ دهان أو فرشاة ألوان أو أية مواد أخرى. كما جاء فى الموسوعة العالمية ويكيبيديا.
الجدار الذى أقامته محافظة الجيزة فى شهر سبتمبر الماضى، أمام السفارة الإسرائيلية، كان الظهور الأول للمشير، طالب علوم الحاسبات فى أكاديمية أخبار اليوم. «رسمت علم مصر، ومجموعة وشوش لشهداء الثورة بس بصراحة كان الرسم ضعيف شوية، كانت أول مرة أرسم بالشكل ده».
فى نفس اليوم، التف حول المشير عدد من شباب المتظاهرين، التقت هواياتهم وأفكارهم عند التوسع فى استخدام الجرافيتى لتوصيل أفكار الثوار، «كلهم دلوقتى بقوا بيرسموا جرافيتى».
رسم الجرافيتى يعتبر نوعا من التخريب يعاقب عليه القانون فى معظم دول العالم، لكن هدفه الأول هو إيصال رسائل سياسية واجتماعية، يجعله متمردا حتى على القوانين، ويطبع محاسبته بالطابع السياسى قبل الجنائى.
اكتمل تعارف أفراد العصابة فى ميدان التحرير، واتفقوا على تقسيم العمل ليتكون منهم فريق الجرافيتى الأشهر فى مصر الآن، عملوا على حملات كثيرة أشهرها حاكموهم، وعسكر كاذبون.
ويبدأ الجرافيتى بعد اتفاق العصابة على صورة، ثم يعمل المشير على تعديلها وتنيسقها على برنامج الفوتوشوب، ثم طباعتها على ورق فرخ التى يصمم عليه اللوحات. يقوم عمار باستخدام آلة حادة لتفريغ الصورة وإزالة أى زوائد ورقية فيها، وبعدها تضيف ليلى المنظور فى اللوحة بحيث تبقى أبعادها واضحة وترى بارزة، وعلاء يقوم باختيار الألوان والمقاس المراد عمله.
يطبع فريق الجرافيتى رسوماته على ورق بأحجام مختلفة، تتراوح بين حجم الفولسكاب العادية وحتى ورقة عرضها 90 سنتيمترا، وطولها يتجاوز المترين، «زى جرافيتى الشيخ عماد عفت اللى فى شارع محمد محمود».
أدوات قليلة يستخدمها الشباب فى تغطية مساحات كبيرة من الشوارع بالشعارات والرسومات، بدءا من «ألوان تشبه ألوان البوية العادية، ثمن الواحدة بين 5 و6 جنيهات، باستلة لون أبيض بلاستيك، سعرها تقريبا 50 جنيها، وفرش رسم بمختلف المقاسات، ورولات للدهان»، يتعاون الجميع فى شرائها على نفقتهم الخاصة.
«احنا خلاص، قربنا ع الإفلاس»، يقول المشير، «بس حاليا بنجمع من أصحابنا، عشان هنطلع رحلة جرافيتى طويلة تبدأ من الإسكندرية لدمياط للأقصر».
«بنخرج طاقتنا فى الرسم، ومجرد إحساسك إن الملايين شافوا الصورة اللى إنت رسمتها، دى متعة خاصة جدا بالنسبة لنا»، يتفق أفراد الفريق على أن العائد عليهم من الجرافيتى هو إشباع الهواية وتوصيل الفكرة للرجل العادى فى الشارع.
أمس الأول، كانت العصابة على موعد مع أحد جدران شارع محمود بسيونى لرسم اللواء محمد البطران، قائد سجن الفيوم الذى استشهد يوم 28 يناير.
«رسمنا ملامحه، وكأنه ملاك بيتحرك بجناحين، عشان هو أطيب ظابط شرطة عرفه جيلنا، وقتلوه عشان حاول يمنعهم من تنفيذ مخطط الانفلات الأمنى وتهريب المساجين».