أدى التطور التكنولوجي في مصر، إلى تطوير العديد من القطاعات الصناعية، وبرزت صورة هذه التطورات في تكنولوجيا النقل العام، حيث إن الجديد يحل محل القديم، وتتجلى هذه الصورة في التروماي (الترام) ومترو الأنفاق، حيث كان دخول التروماي لأول مرة في شوارع القاهرة في القرن الثامن عشر، بمثابة ثورة هائلة في وسائل المواصلات، وترتب عليها العديد من التغيرات في قطاع المواصلات، وتبعه دخول مترو الأنفاق لشوارع القاهرة في القرن التاسع عشر، مضيفًا المزيد من التطور والرقي الحضاري لمصر. نشأة التروماي: في نوفمبر من عام 1894، صادق مجلس النظار علي منح امتياز بإنشاء سكة تروماي، تسير بالكهرباء في العاصمة القاهرة لشركة بلجيكية، وقد تقرر أن يكون الامتياز ثمانية خطوط، تبدأ كلها من ميدان العتبة الخضراء، وفي أول أغسطس سنة 1896 أجرت الشركة حفلة تجريبية لتسيير أول قطار كهربائي، وقد اصطف الناس علي الجانبين ألوفًا وعشرات الألوف ليشاهدوا أول مركبة سارت في العاصمة بقوة الكهرباء، والأولاد يركضون وراءها بالمئات وهم يصرخون "العفريت"، وكانت أجرة الركوب ستة مليمات للدرجة الأولى، وأربعة للثانية.
وكان مجتمع القاهرة قبل تسيير الترام يعتمد في الانتقال على استخدام الحمير والخيل، وكان الناس يعانون كثيرًا من المشقة بسبب الشوارع المملوءة بالحفر والأحجار وأكوام القمامة، وحينما شقَّت قطارات الترام شوارع العاصمة المصرية، أصبح هذا حدًا فاصلا في تاريخ المجتمع القاهري، الذي انتقل من البداوة إلى الحضارة.
وترتب علي ظهور الترام ثورة عمرانية، حيث إنه غيّر نظرة الناس للمنازل، فبعد أن كانوا يألفون سكنى الأزقة والحواري، تاقوا للسكن في شوارع واسعة، وفضّلوا الإقامة بالقرب من الميادين.
مترو الأنفاق يجوب شوارع القاهرة: مترو أنفاق القاهرة، هو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، ويعتبر أحد أبرز الإنجازات المصرية في القرن العشرين، ويمثل هذا المشروع أحد الأعمدة الفقرية لخدمات النقل في مصر، بدأ التفكير في مشروع مترو الأنفاق على يد المهندس الدكتور سيد عبد الواحد، والذي كان يعمل مهندسًا بمصلحة السكة الحديد في الثلاثينيات، وفى عام 1954 استقدمت الدولة خبراء فرنسيين لإعداد تقرير حول مستقبل النقل العام داخل القاهرة الكبرى، وأوصوا بتكوين شبكة من مترو الأنفاق تتكون من خطين، الأول من باب اللوق إلى ترعه الإسماعيلية بطول 12 كيلومتر، والثاني من بولاق أبو العلا إلى القلعة بطول 5 كيلومترات، ومنذ عام 1965 حتى عام 1966 قدمت بيوت الخبرة من الاتحاد السوفيتي واليابان وفرنسا توصيات بضرورة إنشاء شبكه للمترو.
وفى عام 1969 تصاعدت أزمة النقل العام للقاهرة الكبرى، وأوصى مجلس الوزراء برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر بدراسة المشكلة، ولم تكن الظروف الاقتصادية بعد حرب 1967 مناسبة لوضع مشروع مترو الأنفاق موضع الجد، وبالرغم من ذلك قامت وزارة النقل بناء على توصيه مجلس الوزراء، بطرح مناقصه وتم التعاقد مع بيت الخبرة الفرنسي الحكومي (سوفريتو) في 20 سبتمبر 1970.
وقد بدأ تنفيذ الخط الأول في عام 1982، وانتهت المرحلة الأولى منه في أول أكتوبر من عام 1987، والمرحلة الثانية في 12 إبريل 1989 ليربط المنطقة الصناعية وجامعة حلوان بالمنطقة التجارية بوسط القاهرة ومنطقة شمال شرق القاهرة، حيث وصل حتى المرج بطول 42.7 كيلو مترًا، وبلغ عدد محطاته 34 محطة (منهم 5 محطات نفقية).
الخط الثاني والثالث من مترو الأنفاق: انتهي العمل في الخط الثاني وبدأ تشغيله في أكتوبر عام 2000، وامتد من شمال شرق محطة سكك حديد شبرا، وصولاً إلي المنيب، ويُعتبر الخط الثاني أهم محور نقل ركاب سريع حضاري، يربط محافظات القليوبيةبالقاهرة والجيزة.
كما تم الانتهاء من المرحلة الأولى للخط الثالث وافتتاحها يوم 21 فبراير من العام الحالي 2012، والتي تضم خمس محطات، هم العتبة، باب الشعرية، الجيش، عبد باشا، العباسية وهو يربط شرق القاهرة بغربها.
ومن المتوقع الانتهاء من جميع مراحل الخط الثالث للمترو خلال خمس سنوات، والذي يُعد نقلة حضارية وعمرانية للقاهرة، يساعد علي دب الحياة في شوارع القاهرة، ويساعد في حل أزمة الزحام داخل مدينة القاهرة الكبرى، ويساهم بشكل فعال في حل التكدس المروري.