في سابقة من نوعها، أشاد إسلاميون مغاربة بفيلم سينمائي يُعرض حاليا في بعض القاعات السينمائية بالبلاد، لما تميز به من لغة نظيفة افتقدتها السينما المغربية في السنوات الأخيرة، ولمعالجته قضايا اجتماعية مُلحة بأسلوب راق لم يسقط في فخ الوعظ المباشر ولا في مطب الإسفاف والميوعة، بحسب هؤلاء الإسلاميين. واعتبر نقاد سينمائيون أن فيلم "أياد خشنة" لمخرجه محمد العسلي لم يحْظَ بقبول الإسلاميين وحدهم بل احتفى به الجمهور المغربي بمختلف فئاته وتوجهاته، نظرا لما يحمله الفيلم من وعي اجتماعي يلامس عن قرب هموم العديد من الأسر في المجتمع، ولأن هذا الجمهور سئم من السينما التي تقدم أفلاما تُحدث فيه أضرارا نفسية واجتماعية، باعتمادها أكثر على إثارة الغرائز الكامنة.
تميز اللغة والصورة
وتحكي قصة فيلم "أياد خشنة" مسار حياة شابة مغربية تقوم بدورها الممثلة هدى الريحاني، تسعى بكل السبل إلى أن تصبح يداها خشنتين بهدف الظفر بفرصة الهجرة إلى اسبانيا للعمل في الحقول الزراعية هناك وأيضا من أجل اللقاء بخطيبها المهاجر، وبموازاة قصة "آمال" ينسج الفيلم حكايات الحلاق السمسار الذي قام بدوره الفنان محمد بصطاوي بكل براعة، وشخوص أخرى من قبيل شخصية الوزير العليل وزوجته السلطوية، وغيرها من شخصيات الشريط.
وأشاد المفكر الإسلامي والقيادي في حزب العدالة والتنمية الدكتور المقرئ الإدريسي أبو زيد بمضامين فيلم "أياد خشنة" من حيث الحوار والصورة معا، حيث قال إنه شاهد الفيلم فوجده ممتعا ومتميزا بلغته الحوارية النقية بين الممثلين بخلاف أفلام أخرى تستخدم لغة فجة بدعوى أنها تحاكي الواقع الكائن في عمق الشارع المغربي.
وأضاف الإدريسي بأن شريط أيادي خشنة للمخرج محمد العسلي نقل مشاكل الواقع المغربي هو أيضا ولكن بلغة حوارية تجنبت الوقوع في التجريح أو السب والشتم، كما لم تجنح اللغة السينمائية في هذا الفيلم إلى التعالي الأجوف الذي يرتكز على الخطاب المباشر والتقريري، أو الوعظ الكاذب.
ورصد أبو زيد مكامن التميز في هذا الفيلم تحديدا حيث لعب التصوير الاحترافي في كثير من الأحيان دور الحوار وحل مكانه بطريقة فنية ومهنية واضحة، مردفا أن الشريط غاص في أعماق المجتمع وشرائحه المختلفة وجاء مُكرما للمرأة التي تكابد وتعمل بجد من أجل لقمة العيش مقابل مشاهد ظهر فيها الرجل عاطلا وجالسا في المقاهي بدون مسؤوليات تشغل باله.
وبدوره، شُوهد وزير العدل والحريات والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي مصطفى الرميد، وهو يحضر للعرض الأول للفيلم قبل أيام، حيث أثنى على مضمون الشريط من حيث اللغة وأداء الممثلين وطريقة طرح المواضيع المُتناولة، كما شهدت عروض الفيلم حضور أعضاء من جماعة العدل والإحسان أيضا.
عمل رائع
واعتبر المخرج والناقد السينمائي حسن بنشليخة أن "أياد خشنة" لم يكن موجها لفئة معينة داخل المجتمع المغربي ولم يُثر حماس المتدينين فقط، مضيفا أنه إذا توقفنا قليلا عند الفيلم فهمنا الحفاوة التي حظي بها ليس من قبل "الإسلاميين" فحسب، بل من لدن النقاد السينمائيين والجمهور المغربي على حد سواء.
ويشرح بنشليخة في تصريحات ل"العربية.نت" بأن الفيلم "عمل رائع يحمل في طياته الوعي الاجتماعي لتفقد البؤس والغش والاختناق الذي ترزح تحته الكثير من الأسر المغربية والصعوبات التي تكابدها، وأحلامهم وحيلهم التي يرسمونها للتغلب على الواقع المر وقهر الظروف".
واستطرد المتحدث بأن الفيلم تحول إلى شهادة تقوم بتشريح عناصر الاحتقار والإذلال للذات الإنسانية، مبرزا أن المخرج تحكم في كل المشاهد بدقة وبخبرة مدروسة وأسلوب سرد محكم، ووظف الكاميرا بمعاني عميقة تنم عن الإلمام بفن زوايا التصوير، مُسندا بطاقم بارع تقمص الشخصيات بأداء راق، وهذا ما يميز المخرج محمد العسلي الذي يمتلك رؤية فنية وجمالية تعد الأعلى صوتا في الحركة الإبداعية"، وفقا للناقد.
وقال بنشليخة إن سر نجاح الفيلم يكمن في فقدان المغاربة ثقتهم بسينما أغلب المخرجين المغاربة الآخرين، التي تحدث الأضرار النفسية والاجتماعية باعتمادها على أساليب غسيل الدماغ التي تعمل من تحت الوعي على أساليب التنويم المغناطيسي والتكرار المستمر.
وخلَّص المخرج السينمائي إلى أن فيلم "أياد خشنة" جاء في الوقت المناسب ليفضح هذا الزيف، وينتصر لحرية الفن والإبداع بوعي كثيف فكانت النتيجة أن أعاد الفيلم لسينما مغرب السبعينيات قدر الشرف الذي حظيت به، وفتح آفاقاً جديدة للفن السابع وللشباب المغربي للخروج من العقم السينمائي الحالي.