كانت محطتهما هذه المرة باريس، أتياها حاملين معهما خشبة مسرحهما وروح الثورة السورية، إنهما الأخوان التوأم محمد وأحمد ملص، اللذان خصا فرانس 24 بحديث امتزجت فيه روح الفن بجرح الوطن. قدم الأخوان ملص عرضيهما المسرحيين في باريس "الثورة غدا تؤجل إلى البارحة" وهو العرض الذي قدماه يوم اعتقلا في سوريا في فرع الأمن الجنائي، والعرض الثاني"الممثلان في ظل الثورة" وهو عرض قدماه بعد خروجهما من سوريا في عدة دول منها لبنان وروسيا ومصر. فرانس 24 التقت بهما وكان الحديث التالي.
"بلد يمنع عرض أفلام عمر أميرالاي ومسرحيات سعد الله ونوس يحتاج لثورة حرية"، بهذه العبارة رد التوأم ملص عن الأسباب التي دفعتهما إلى الانخراط في "ثورة الحرية"، يقول محمد أن "الفن انعكاس للواقع وفي ذات السياق هو متنفس للتمرد عليه ورفضه، بمعنى أن الفنان يتأثر بالواقع وبمجرياته وبنفس الوقت لا بد من أن يكون له موقفه مما يجري. والثورة التي تعيشها سوريا هي ثورة حرية، والفن بحاجة أيضا إلى حرية في بلد يُمنع فيه عرض مسرحيات سعد الله ونوس وأفلام عمر أميرالاي.
ويضيف أحمد "أنا أولا مواطن في هذا المجتمع وصفتي كفنان هي للتعبير ونقل ما يعانيه أبناء مجتمعي، فأنا جزء من الكل لا أنفصل عنه، ودوري في هذه الظروف أن أكون أمينا في نقل رسالة الفن الإنسانية التي يتطابق فيها الفكر مع السلوك".
ويرى الأخوان أن "الفن في سوريا تحرر مع الثورة، ونزع عنه احتراف الكاميرات السينمائية وشهرة الفنانين ونزل إلى الشارع الحقيقي. حيث أضحت كاميرا الجوال أهم وأكثر قدرة على نقل حقيقة الواقع".
وكان الأخوان ملص قد اعتقلا في 13 يوليو خلال تجمع لمجموعة من المثقفين والفنانين في حي الميدان الدمشقي تضامنا مع أهل درعا بعد توقيعهم على بيان الحليب، الذي طالبوا فيه بالإصلاح وإدخال الحاجات الأساسية إلى درعا بعد أيام من حصارها وتعرضها لحملة قمع.
وفي المعتقل اغتنم التوأم الفرصة وعرضا آخر مسرحياتهما "الثورة غدا تؤجل إلى البارحة" التي تدور أحداثها حول رجل أمن يستجوب متظاهر اعتقل للتو، بأسلوب كوميدي ناقد يتناول يوميات الشارع السوري أثناء الثورة من نقد للإعلام ومجلس الشعب ولغة ورجال الأمن مع المعتقلين ويتطرق أيضا إلى تداخل الطوائف في سوريا ويختتم بقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء من الطرفين كإشارة إلى قاسم يجمع السلطة مع المحتجين.
ويقول أحمد "في غرفة التحقيق كان جمهورنا من المعتقلين زملائنا ومجموعة من مؤيدي النظام أيضا اعتقلوا عندما هاجموا السفارتين الفرنسية والأمريكية، إضافة إلى بعض رجال الأمن في فرع التحقيق الذين كانوا يقطعون العرض محتجين من وقت لآخر عندما يطال الحديث هرم السلطة".
ويضيف محمد "أجمل ما في الأمر هو المصادفة النادرة، إذ قدمنا العرض في المعتقل وهو المكان المفترض في نص المسرحية".
"المعركة مستمرة... والفن سلاحنا"
وعن مشوارهما الفني ووضع الفن في سوريا، يقول الأخوان "معركتنا بدأت عندما رفضنا لثلاث سنوات متتالية من فرصة القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، مما دفعنا لدراسة المسرح بشكل حر وفردي مع نائلة الأطرش وقدمنا عروضنا المسرحية في غرفة في بيتنا "مسرح الغرفة" أمام جمهور لا يتعدى 15 شخصا، بعد أن أغلقت في وجهنا المسارح لعدم التمكن من الحصول على الموافقات الأمنية، وهذا بحد ذاته كان تحديا بالنسبة لنا، حيث أنه تجمع وهو من المحرمات في سوريا الأسد، وما تزال معركتنا مستمرة وسلاحنا دائما الفن، فبعد خروجنا من سوريا بعد اقتحام قوات الأمن لمنزلنا في أكتوبر الماضي، نسعى لمواصلة المعركة وعرض مسرحياتنا في دول العالم لنعّرف الناس على بعض ما يحدث بسوريا".
وختم التوأم حديثهما بالقول "الثورة مستمرة وسوف ينتصر الشعب السوري الذي يرسم بدمه مستقبل سوريا الحرية، لن ننتظر طويلا سنعود قريبا لنستنشق مجددا عبق الياسمين في شوارع دمشق".