قضت محكمة القضاء الإدارى يوم السبت برفض الدعوى المقامة من ماهر المعتصم بالله الجوهرى لإثبات تغيير ديانته من الإسلام إلى المسيحية، وتغيير اسمه إلى «بيتر إثناسيوس» فى أوراقه الرسمية وبطاقة الرقم القومى الخاصة به ، ورفضت المحكمة كذلك طلب التعويض المقدر ب10 ملايين جنيه. وكان المعتصم أقام دعواه فى أغسطس الماضى، وقال فيها إنه تحول إلى المسيحية منذ عام 1973، وتقدم دفاعه بوثائق تدعى أنه سافر إلى قبرص عام 2005 وتم تعميده فى إحدى كنائس طائفة الروم الأرثوذكس، ثم تقدم الدفاع فى أبريل الماضى بشهادة دخول فى الطائفة القبطية الأرثوذكسية صادرة عن كنيسة عزبة النخل التابعة لمطرانية شبين القناطر. صدر الحكم برئاسة المستشار حمدى ياسين عكاشة، وعضوية المستشارين جمال عمار وحاتم داوود وخالد رأفت، نواب رئيس مجلس الدولة. واعتبرت المحكمة أن الشهادتين اللتين قدمهما دفاع المعتصم لإثبات تغيير ديانته وتعميده، ساقطتان ومنعدمتا الأثر القانونى، حيث أوردت 3 أسباب لرفض شهادة التعميد القبرصية المقدمة من كنيسة القديس يؤانس المقدسة التابعة للمطرانية المقدسة بمدينة ليماسول بقبرص، حيث تضمنت الشهادة اسم ولقب الإشبين وتاريخ التعميد فى 20 سبتمبر 2005، لكنها نصت على أنه لا يتم الاعتداد بها كشهادة تعميد حتى تقدم إلى مكاتب المطرانية قبل مرور 15 يوما على إصدارها، علما بأن المعتصم عاد إلى مصر قبل مرور هذه الفترة. وعن الشهادة الثانية المقدمة من كنيسة عزبة النخل بدخول المعتصم فى طائفة الأقباط الأرثوذكس والمؤرخة فى 8 أبريل 2009، فأوردت المحكمة 6 أسباب لبطلانها، أولها أن الكاهن الذى وقع الشهادة «القمص متياس نصر منقريوس» ليس المختص بتغيير الديانة أو تحويل الطائفة، والسبب الثانى أن الشهادة تتعلق بتغيير الطائفة أى أنها قائمة على الشهادة لأولى منعدمة الأثر. وأضافت المحكمة أن الشهادة لم يوقعها غير الكاهن المذكور، وخلت الشهادة من توقيع الأنبا صموئيل، أسقف شبين القناطر، وكذلك توقيع القمص أرمانيوس جمال، وكيل المطرانية، بالإضافة إلى عدم تقديم هذه الشهادة إلى الجهة المختصة وهى مصلحة السجل المدنى لإثباتها، بل تم تقديمها إلى المحكمة مباشرة. وذكرت المحكمة أن المعتصم تزوج 4 مرات، أولها عام 1992 ثم فى أعوام 1993 و2001 و2006، من سيدات مسلمات بزيجات على الشريعة الإسلامية وبعقود موثقة مثبت بها ديانته الإسلام وإرادته السليمة للزواج، وأنه أنجب ولدا عام 1993 أسماه «على» وبنتا عام 1994 أسماها «دينا» حيث قام برضاه وإرادته بتسجيلهما مسلمين فى شهادتى ميلادهما. وقالت المحكمة فى حيثياتها إنه يتعين فهم حرية العقيدة فى مصر فى ضوء أمرين، أولهما أن مصر ليست دولة مدنية تماما وإنما هى دولة مدنية ديمقراطية، وأن الإسلام هو دين الدولة الرسمى، ومبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع وفقا لأحكام الدستور، أما الأمر الثانى فهو أن مبدأ المواطنة المقرر بالمادة الأولى من الدستور يحكم النسيج الوطنى للعقائد والأديان السماوية، ورغم أن تغيير الديانة قد لا يثير مشكلة فى الدول ذات الطابع المدنى، فإن الأمر مختلف فى مصر لما يترتب عليه من آثار قانونية مهمة كالزواج والطلاق والميراث. وأضافت المحكمة أن مصر وافقت على الاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الأفراد والحريات، التى استند إليها المدعى فى طلب إثبات تغيير ديانته، ولكن بشرط أن يكون تنفيذها منوطا بمراعاة أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها مع هذه المبادئ. وأشارت المحكمة أن الوضع التشريعى الحاكم لتغيير بيانات خانة الديانة ملتبس وغير واضح، حيث نص قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 على إمكانية تغيير الديانة فى الأوراق الشخصية بناء على أحكام أو وثائق صادرة عن جهة الاختصاص، التى لم يتم تحديدها سواء كانت جهة إدارية أم محكمة، لكن القانون اشترط أيضا لإثبات تغيير الديانة أن يتم تقديم مستندات مؤيدة لطلب التغيير إما بحكم قضائى من المحكمة المختصة، أو وثيقة تغيير ديانة صادرة عن جهة دينية رسمية. وأوضحت المحكمة أن تغيير الديانة فى مجال حرية العقيدة وعلاقة العبد بربه لا تحتاج إثباتا، لأن الاعتقاد مسألة نفسية، بينما تتغير الديانة وفقا لنظام الدولة وأوضاعها التشريعية، وهو ما يحكمه النظم القانونى المقرر لتحديد الجهة المنوط بها إجراء هذا التعديل وإصدار الشهادات والأوراق الرسمية. وتطرقت المحكمة إلى واقع الطوائف والهيئات الدينية المعترف بها، حيث قصر القانون طوائف الأرثوذكس على 4 طوائف، لكل منها بطريرك يقوم على شئونها، وبالنسبة لطائفة الأقباط الأرثوذكس بقيت هذه الكنيسة دون سواها معترف بشخصيتها الاعتبارية، وأتاح لها القانون إصدار شهادات تتعلق بالشئون الدينية لأبنائها، لكنها ليست بأى حال جهة الاختصاص فى إصدار أى شهادات بحدوث تغيير فى الديانة، رغم أن للبطريركية سلطة الاعتراف الكنسى بمن يمارسون طقوسها الدينية. وشددت المحكمة على أنه تكشف لها وجود قصور تشريعى فى مجال تحقيق الحماية الفاعلة لحرية العقيدة ومواجهة التلاعب بالأديان، وأهابت بالمشرع أن ينهض لتحمل التزاماته التشريعية للقضاء على ظاهرة التلاعب بالدين لتحقيق أغراض دنيوية. ومرت قضية المعتصم بعدة منعطفات مهمة على مدار عام قضائى كامل، أولها المشاجرة التى نشبت فى قاعة المحكمة بين محاميه والمستشار د.محمد أحمد عطية، رئيس محاكم القضاء الإدارى ورئيس الدائرة الأولى، حيث سحب رئيس المحكمة الكارنيه الخاص بالمحامى وطلب تدخل الأمن، ورد المحامى برفع شكوى إلى رئيس مجلس الدولة وتقديم بلاغ إلى النائب العام، وانتهت الأزمة بإحالة القضية إلى دائرة أخرى. وعندما بدأ نظر القضية مرة أخرى، طلب رئيس المحكمة مثول المعتصم بنفسه أمام المحكمة، ليظهر لأول مرة أمام الرأى العام منذ عامين، ويؤكد تلقيه تهديدات بالقتل بسبب إصراره على اعتناق المسيحية، علما بأنه من أسرة يعمل معظم أفرادها فى أجهزة أمنية مختلفة.