من أهم الأحداث فى الميدان مظاهرة «يوم الجلاء» التى دعت إليها اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، والتى تشكلت عقب قمع مظاهرات الجامعة يومى 9 و10 فبراير 1946، وكانت تضم عناصر من الوفديين والشيوعيين وغيرهم من القوى الوطنية الديمقراطية، وأصدرت اللجنة ميثاقا وطنيا حددت فيه أهداف الشعب وعلى رأسها الجلاء التام عن مصر والسودان، ودعت إلى إضراب عام فى البلاد حددت له يوم 21 فبراير، وأسمته يوم الجلاء، وابتكرت الحركة أساليب جديدة فى الدعاية، فصممت شارات معدنية طليت بالمينا عليها عبارات تدعو للجلاء ووحدة وادى النيل، مع بعض الرسوم المعبرة عن الكفاح الوطنى، وكان المصريون رجالا ونساء يعلقون تلك الشارات الصغيرة على صدورهم، وكانت حكومة إسماعيل صدقى باشا قد قررت عدم منع المظاهرات أو التصدى لها، بل إن صدقى استقبل وفدا من قادة اللجنة. وفى يوم الخميس 21 فبراير 1946 أضربت مصر كلها وخرجت المظاهرات تطوف الشوارع، وفى القاهرة خرجت مظاهرة غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين فيها ومن حيث تنظيمها، وطافت المظاهرة شوارع وسط القاهرة دون أن تتعرض لها قوات البوليس بناء على تعليمات رئيس الوزراء، لكن ما إن وصلت المظاهرة إلى ميدان الإسماعيلية (التحرير) حيث ثكنات الجيش البريطانى حتى اقتحمت السيارات العسكرية البريطانية المظاهرة، فدهست من دهست وأطلق الجنود النار على من أطلقوا، فسقط فى المظاهرة 23 شهيدا و121 جريحا.
رغم أن المظاهرات لم تسفر عن إنهاء الاحتلال فإنها أرغمت بريطانيا على سحب قواتها من المدن المصرية ما عدا منطقة القناة، وبدأ الانسحاب فى 4 يوليو بالجلاء عن القلعة وتسليمها للجيش المصرى، أما صدقى باشا فحظى بدعم من أحزاب الأقلية وجماعة الإخوان المسلمين من خلال اللجنة القومية التى تشكلت فى مواجهة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، وكان الرجل يمهد سرا للمفاوضات مع بريطانيا، فشن أكبر حملة اعتقالات عرفتها مصر فى الحقبة الليبرالية فى يوم 10 يوليو عشية احتفال القوى الوطنية بذكرى الاحتلال البريطانى لمصر، وقد عرفت هذه الحملة بقضية الشيوعية الكبرى واعتقل فيها العشرات من الطلاب والعمال والكّتاب والصحفيين، وكان الكثيرون منهم بعيدين تماما عن الشيوعية، مثل سلامة موسى والكاتب الصحفى محمد زكى عبدالقادر، كما أغلق عدة صحف ودور نشر وطنية، وكان واضحا أن هدف الحملة تمرير ما يصل إليه صدقى من اتفاقات مع الإنجليز، وبالفعل توصل فى أكتوبر إلى التوقيع بالأحرف الأولى على معاهدة مع وزير خارجية بريطانيا بيفن، إلا أن الشعب رفض الاتفاقية، فسقطت ومعها حكومة صدقى فى ديسمبر 46.