فى مؤتمر العام الماضى، فوجئ منظمو المنتدى الاقتصادى العالمى (دافوس) بتغيب الكثير من الضيوف عن حضور الندوات، فأحداث 28 يناير الهائلة فى مصر، دفعتهم للمكوث فى غرفهم ومتابعة التغطية الإخبارية للثورة المصرية، أما فى هذا العام فقد خصص منتدى «دافوس»، الذى انطلقت فاعلياته الاربعاء الماضى، لقضايا الشرق الأوسط ست جلسات، ورغم ذلك امتد الحديث عن آثار الربيع العربى امتد ايضا إلى المناقشات الدائرة فى المنتدى عن مستقبل الاقتصاد العالمى بعد أن تحولت ظاهرة الاحتجاج العربى إلى ظاهرة عالمية. يشعر الكثير من ضيوف دافوس بالتوتر حيال مستقبل الاقتصاد العالمى، بعد أن تسبب الربيع العربى فى تحفيز حالات الاحتجاج فى دول كالصين وروسيا، كما جاء فى مقال لصحيفة الفاينانشيال تايمز، والذى اعتبر أن الربيع العربى «يجعلنا نعتقد أنه من الممكن أن يكون العالم «على شفا موجة من الديمقراطية»، فالصين التى أصبح الاقتصاد العالمى يعول عليها بعد الأزمة المالية العالمية كمولد للنمو الاقتصادى «أبدت مزاجا عصبيا تجاه الربيع العربى» خاصة مع تزايد وتيرة التظاهرات فى الصين، الأمر الذى جعل «استقرار الاقتصاد الصينى من المخاوف الكبرى»، بحسب المقال، الذى أضاف أن مد الربيع العربى وصل إلى الهند أيضا فى صورة التظاهرات الضخمة ضد الفساد، وسيحفز أبناء الطبقة الوسطى بروسيا على الاستمرار فى مقاومة هيمنة فلاديمير بوتن على الحياة السياسية فى البلاد، وهو ما دفع كاتب المقال ليطرح تساؤلا حول حول قدرة «دافوس» فى المستقبل على توجيه الاقتصاد العالمى بعد هذه التغيرات الاجتماعية الواسعة؟.
ويبدو منتدى «دافوس»، كما وصفه مقال بموقع وكالة رويترز الاخبارية، فى حالة تجاهل لحركات «احتلال الميادين»، ومطالبها الاقتصادية، وبرر ذلك بأن مؤسسة كالمنتدى الاقتصادى العالمى «فى قلب مجموعة من أكبر الشركات العالمية ليست بالضرورة هى أفضل شىء لتحسين أحوال العالم، خاصة ونحن فى زمن الربيع العربى واحتلال الميادين».
وكان واضحا من مناقشات المنتدى أن لدى الشركات الكبرى حالة من التخوف تجاه صعود التيارات الدينية، بينما حاول ممثلو الربيع العربى أن يركزوا على التحديات الاقتصادية التى تنتظر الحكام الجدد وضرورة مساندة الاقتصاد العالمى لهم لتجاوزها، لذا حاول الداعية الاسلامى المصرى معز مسعود أن يزيل الالتباس لدى الشركات العالمية تجاه تفسير اختيار شعوب الربيع العربى للتيارات الدينية بقوله «لم يكن الامر متعلقا بالجدل حول البكينى.. ولكنه ارتبط بالتطلع لتوفير فرص العمل، والدخول، والإحساس بالأمن، ورغبة الناس فى اختيار أكثر المجموعات تنظيما»، وأكد الداعية المصرى عمرو خالد على نفس الفكرة بقوله «الوظائف هى القضية الرئيسية الآن»، وطالب رئيس الوزراء التونسى حمادى جبالى، مجتمع الأعمال الدولى بأن يكون أكثر حرصا فى استخدام المصطلحات السياسية التى يفسر بها توجهات الحكام الجدد لدول الربيع العربى «لا أستطيع أن أسمى الأنظمة الجديدة أنظمة إسلامية»، بينما شن عبدالله بن كيران رئيس الوزراء المغربى هجوما مضادا على مجتمع الأعمال الدولى بقوله إنه كان يدعم الاستبداد «الآن نحن نستطيع أن نضمن لكم مصالحكم بأكثر مما كانت تفعل الأنظمة السابقة».
الإحساس بالتوجس تجاه ديمقراطية العالم العربى لم يكن أمرا معمما على ضيوف دافوس، فبعض رجال الأعمال تمنوا لو أن تطهير الدول العربية من النظم الفاسدة كان قد بدأ من انطلق منذ زمن لما كان سيسهم فيه من تحسين مناخ الأعمال، كما نقلت وكالة رويترز عن رجل الأعمال دنيس ناللى، «لو كان الربيع العربى قد انطلق منذ خمس أو ثمانى سنوات مضت لرأينا معظم الشركات الدولية تعمل فى هذه المنطقة»، ونقلت وكالة بلومبرج الإخبارية عن توم سبيشلى الشريك بأبراج كابيتال، قوله إن الشركة سيكون لها استثماران أو ثلاثة محتملين فى السوق المصرية قريبا، فى صناعات تشمل المجالات الزراعية وتكنولوجيا المعلومات.