يوم الثلاثاء 25 يناير فى جو متقلب، سحب غائمة وشمس قليلة، وغموض حذر، رائحة خطر يقترب، تغلفه حماسة وإصرار تحملها العيون، وخرجت «مصر الغاضبة» للشارع، ترسم ملامح المستقبل الحقيقية، مصريون عملوا فى صمت، تنوعت المهام ولم تقل الأهمية، ولكن تكاملت الأدوار، الواقف فى الصفوف الأولى، يكمل دورة شاب صغير يغنى بجيرته، وفتاة صغيرة توزع علب المناديل والخل فى تلك الأيام التى تشبعت برائحة القنابل القاسية، ودموع الدعاء والابتهال، وصرخات الغضب والألم والأمل، تلك التفاصيل الصغيرة التى نشرتها «الشروق»، والتى حازت بجدارة على لقب «جريدة الثورة».
الثلاثاء الأحمر
كانت الاستعداد ليوم «الغضب الأحمر يحتاج المواقع الإلكترونية فى مهمة افتراضية قبل أن تنقل إلى شوارع القاهرة»، وفى الوقت الذى قال فيه مصطفى الفقى إن الوفد أمريكى، مبارك ليس «بن على»، كانت اللوحة الضخمة لمبارك تحت أقدام الثوار. كانت الإشارة الأولى لسقوط النظام، «فالشارع لنا احنا لوحدنا والناس التانية دول مش مننا»، كان محمود، 19 عاما، يغنى ضمن حلقة لعزف الجيتار، يرددون أغانى الشيخ إمام
«12ساعة من الغضب فى أشهر ميادين مصر»، وفى الخامسة والنصف مساء، دقت الساعة القاسية، الأمن أحاط جميع مداخل الميدان، ليكون تجسيدًا حقيقيا لقصيدة الكعكة الحجرية.
أصيبت المهندسة ريم حليم بضربة من عصا الأمن الغليظة، وتاهت عن زوجها فى زحام البشر والدخان، ولكنها لم تتوقف عن الصراخ بإسقاط النظام، انضمت للمسيرة الذاهبة لشبرا لاستكمال الاعتصام،بجوارها كانت سيدة بسيطة، تحمل ابنها على كتفها، وتحمل لوحة «انتو بتاكلوا حمام وفراخ، واحنا الجوع دوخنا وداخ».
وفى الساعة الواحدة والنصف صباحا عند مطلع 6 اكتوبر برمسيس، التقت ريم بزوجها، وحكت له عن محاولات الهروب من قنبلة سقطت بجوار قدمها.
«ولما القنبلة وقعت عليكى مطفتيهاش بشوية مية وخلاص ليه»، لم يبد الزوج قلقه أكثر من ثوان، واستكمل الاثنان المسيرة التى انتهت بحصار فى نفق أحمد حلمى، بعد أن تغير المسار بناء على بعض الأمن المندس بين صفوف المتظاهرين.
جمعة الشهداء
«جمعة الشهداء توحد صفوف الغاضبين فى مواجهة الأمن»، فالآلاف انطلقوا من المساجد، مئات الآلاف فى الإسكندرية، والسويس فى «حالة حرب».
على وجهه لثام وفى يده زجاجة مولوتوف يستعد لإشعالها، كان خالد، أحد أبطال الصفوف الأمامية فى شارع الأربعين فى السويس، يستعد للمعركة.
عشرات القتلى سقطوا هناك، ولا خبر أكيد عن خالد، الذى فى كل الأحوال أدى واجبه فى صمت. وانتقل «مازن، الشاب الجامعى من رحلات الترفيه إلى ميدان التحرير، بدون علم أهله، ويكتب على تويتر وسط الدخان «من كتر كمية الطوب حاسس إنى فى فلسطين».
أما فى جامع الأزهر فكان عساكر من الينسون والتفاح يراقبون الجو، يدعمهم خطة الإمام التى تصف الخارجين على مبارك بالكفر، تخترق المظاهرة الرصاص والدخان، تنتهى «والشعب يتقدم ومبارك يبدأ فى التراجع».
يقيل مبارك الوزارة، ويفوض عمر سليمان لإدارة شئون البلاد، ولكن المصريين يخرجون بالملايين، فلا بديل عن الرحيل النهائى.
دولة التحرير الحرة
فى لحظات بدأ مشهد يوم القيامة فى القرى المجاورة لسجن الفيوم بعد هروب السجناء، وتتكرر المشاهد فى كل سجون مصر، فى خطة مرتبة، راح ضحيتها اللواء البطران لرفضه تنفيذ الأوامر، كما حكت أخته ل«الشروق».
وفى الوقت الذى وقف فيه رامى ومحمد فى شوارع كوبرى القبة، كان «البلطجية يعلنون الحرب على التغيير»، ومر ليل الأربعاء الأسود، وصبح الصباح وكان أحد المرابطين فى التحرير، يجلس قرب المنصة الرئيسة، يحمى بذراعيه بقايا «موقعة الجمل» من قنابل وبطاقات لأفراد أمن الدولة، جمعها الرجل ووضعها فى كرسى خشبى، ليكون «المتحف المصرى الجديد».
بعدها «الميدان يعود لسيطرة المعتصمين»، فمصر تغيرت، ومليون مصرى يؤدون صلاة الرحيل فى المليونية الأولى، وتشعر هند، الفتاة العشرينية، فقط بالأمان هناك.
بالقرب من كنتاكى، «شاحن وجريدة لكل مواطن»، وحدة للنظافة، وأخرى تمثل وزارة الصحة، وثالثة توزع الطعام والأغطية، وعلى المداخل نقاط تأمين محكمة وقفت فيها د.سهير التى جاءت من سويسرا مخصوصا للمشاركة فى الثورة المصرية.
وانتصر الشعب
أربع مليونيات، «فمصر تحولت إلى ميادين التحرير»، كان آخرها جمعة 11 فبراير، مبارك رفض التنحى، ورفع الواقفون الأحذية أثناء خطابه.
أحمد «أحد هتيفة التحرير»، قال «باسم الثورة المصرية خلع مبارك»، وتوجهت المسيرات للقصر الجمهورى، وفى الخامسة من مساء الجمعة 11 فبراير، «انتصر الشعب».