ضباب شديد، لا تظهر معه التفاصيل الدقيقة، وهدوء لا يقطعه صوت حتى الثامنة صباحا. هنا مدرسة السلام الابتدائية المشتركة، احدى اللجان الانتخابية بمركز كفر شكر، الشبورة الكثيفة كانت الزائر الأول فى هذا اليوم الانتخابى، الشبورة تزداد أيضا بسبب المناطق الخضراء القريبة من المدرسة.
فى الثامنة والربع تقترب همهمات بعيدة، الرؤية غير الواضحة تجعل تحديد المصدر صعبا، ثوان وينكشف قلب الدخان عن مجموعة من النساء، الزى أسود وفضفاض، أما الوجه فيحيطه النقاب.
السيدات أول الحاضرين، بجوار سور المدرسة جلسن مجموعة، وفى الجهة الخلفية للمدرسة جلست المجموعة الأخرى، تقودهم السيدة ابتسام، «أنا واحدة بشتغل لوجه الله».
تخرج السيدة نسخة ملونة مصغرة، طبق الأصل للقائمة الحزبية الموجودة فى اللجان الانتخابية، وتمعن ابتسام النظر فى الورقة ولكن اشارة من احدى الرفيقات تنبهها، «ما تدارى الورقة دى بقى، ولا عاوزة تجيبى لنا وجع الدماغ». تمسك السيدة ورقتها وتدريها تحت خمارها الأسود.
ابتسام مع رفيقاتها يدعمن حزب النور، خرجت من بيتها مبكرا لتكون أولى الموجودات أمام باب المدرسة، «ومن غير فلوس زى ما الأحزاب الثانية بتعمل»، أما مرشحو الفانوس «فكلهم مسلمين، مش زى الأحزاب التانية اللى بتقول على نفسها مسلمين وترشح لينا نصرانى».
تقترب بنت صغيرة من السيدة ابتسام تسأل عمن يساعدها فى الحصول على رقم لجنتها.
«من عنينا، بس قولى لى هاتنتخبى مين؟». تفصح الشابة عن رغبتها الخفية، «افتكر شباب الثورة».
وانطلقت صرخة مدوية من خلف، زاد من قوتها الهدوء وزاد من قسوتها الجو الضبابى.
ولا وقت لتستوعب الفتاة سيل الأسلحة المتلاحق. «احنا المرشح بتاعنا بيطلع على قناة الناس، عارفة كدا ولا لأ؟
انتخبى النور خليكى تتجوزى واحد كويس يعرف ربنا».
النصيحة النهائية لسيل الأسئلة التى لا تتوقف.
«ايه علاقة الدين بانتخابات مجلس الشعب أو بالجواز؟»، أخيرا نطقت حنان عبدالله، طالبة اللغة العربية بكلية التربية جامعة بنها.
«انتى عاوزة شرع الله ولا عاوزة شوكة النصارى تقوى علينا لما يدخلوا مجلس الشعب؟».
تتحدث السيدة عن قائمة الكتلة المصرية، وعن شائعة ترشيح حزب الحرية والعدالة لأحد المسيحيين على مقعد العمال، وهى الشائعة التى روج لها مندوبو الحرية والعدالة على الطرف الآخر من المدرسة، «دا شيخ جامع يا ناس». كانت اصوات الإخوان القريبة ترد على كلام السلفيين فى مباراة لم تتوقف منذ اليوم الأول من الانتخابات.
«هو مافيش مندوبين هنا غير السلف والنور؟» تسأل حنان.
«كان فيه واحدة كتلة امبارح بس ما جتش النهارده»، يرد أحد الداعمين لحزب النور.
الكل لم يكن موجودا أمام مدرسة دار السلام، فقط انصار النور والحرية والعدالة، أما باقى القوائم الحزبية، والتى وصل عددها إلى 14 قائمة فقد اختفوا تماما.
قررت حنان أن تنتظر لتقابل أى مرشح أو مندوب لباقى القوائم الحزبية، ولم يظهر أى وجه جديد، ولم تتوقف الاتهامات المتبادلة بين الأطراف الموجودة أمام المدرسة، فطرف يتحدث تورط الآخر فى حريق المجمع العملى، ترد عليه طرف آخر باتهام موجه عن شراء الأصوات فى ليل اليوم الانتخابى الأول.
تجاوزت الساعة الثانية عشرة ظهرا، ازداد الازدحام وسط الشبورة التى لم تذهب حتى أذان الظهيرة، أما حنان فقد قررت أن تذهب لبيتها لتعرف أكثر عن قائمة الثورة مستمرة، «عشان أقف هنا أقول للناس انتخبوهم».