«وتبقى الثورة مستمرة».. شعار آمن به كثيرون من أهل الفن.. حاولوا بينهم وبين أنفسهم أن يمتد مفعول وقيمة وهدف الثورة التى انطلقت يوم 25 يناير 2011 لتلهم أعمالهم وتنتفض رؤاهم وتحدد مسارا جديدا لخطواتهم القادمة». وحتى أن كانت الأجواء الحالية لا تسمح بمرور تجارب فنية غزيرة الإنتاج , وهو ما يجعل البعض أيضا يلتزم الهدوء حتى تتضح الصورة.. لكنها حالة مؤقتة والكل يراهن على ألا يفتر أصحاب الثورة من أجل نهضة فنية لها مذاق مختلف.. وإذا كانت بعض أعمال 2011 قد حاولت جاهدة التشبث بالثورة بمشهد هنا أو كلمة هناك، فمن المتوقع أن يكون تأثير مشهد الثورة أساسيًا فى معظم أعمال 2012، ولكن بدرجات متفاوتة.
إذا كان وفد من شباب الإخوان قد زاروا الموسيقار الكبير عمار الشريعى منذ أسبوعين، لإعلان دعمهم للفن خاصة الغناء. وهو الأمر الذى جعل البعض يشعر بطمأنينة إلى حد ما. لكن هذه الزيارة كانت من أجل دعم كل ما هو جاد وجيد. لذلك فالثورة سوف تستمر ضد كل ما هو هابط ومتدن على الأقل داخل مصر، لان هناك بعض الدول العربية التى لم تصلها الثورة سوف ترحب بهذا الشكل الضعيف من الغناء وهو ما لم يسمح به. وكذلك كل من قاموا بالثورة. بدليل أن الثوار انحازوا من البداية أو أن بعضهم تربى على أغانى منير والحجار وبالتالى لا يعنيهم غناء هيفاء أو إليسا أو حتى تامر حسنى. والجميل فى الأمر أن كل الأطراف الحريصة على أهمية الفن التقوا حول نقطة واحدة وهى لا مكان لكل ما هو لا يحمل قيمة،مع الوضع فى الاعتبار أن هناك عشرات من الموسيقيين مطربين وملحنين وشعراء دخلوا فى معارك ضارية مع أصحاب الغناء الهابط لكنهم لم يستطيعوا القضاء عليه لان الدولة كانت تدعم الاتجاه الهابط. لذلك هناك أسماء مثل حلمى بكر، وهانى شاكر وإيمان البحر درويش وغادة رجب والحجار والحلو اعتبروا أن الثورة ومعها التيار الدينى سوف يكونوا عونا لهم للقضاء على الغناء الهابط. فبقدر تخوف بعضهم من الإخوان والسلفيين فى بادئ الأمر ألا أنهم بداخلهم أيقنوا أن الخلاص ربما يأتى من هؤلاء. فالتليفزيون الرسمى لن يجرؤ على عرض اغانى هيفاء وروبى ونجلا وأليسا أو أى اغان راقصة حتى لو كان بطلها عمرو دياب بكل جماهيريته لان مجلس الشعب القادم من حقه استدعاء وزير الإعلام فى هذه الحالة ومواجهته بما يحدث. وهنا لن يستطيع أن يقول مقولة صفوت الشريف الشهيرة. اللى مش عاجبه فى ايده ريموت يقدر يغير القناة. كما أن التليفزيون الرسمى ليس من أهدافه منافسة القنوات التى تعرض اغانى الفيديو كليب أو السينما كليب. لكن من اهدافه دعم الغناء المصرى كما يقول عمار الشريعى وهانى شاكر ومحمد على سليمان. فالاصل هو عرض كل ما هو جاد والوقوف بجوار المطربين المصريين الذى وصل بهم الامر تسول عرض أعمالهم على القنوات المصرية. مثل غادة رجب التى اهدتهم أعمال كثيرة وحفلات إقامتها فى الخارج ولم يعرضوها ربما لانها من وجهت نظرهم دمها ثقيل. هناك أسماء أخرى لم نكن نراها على الإطلاق رغم أهمية أصواتها مثل طارق فؤاد وهو احد خريجى معهد الموسيقى العربية وفرقة ام كلثوم وله تجارب ناجحة سواء على مستوى المهرجانات التى حصل منها على جوائز كثيرة أو على مستوى أعمال أخرى لها قيمتها. يتساوى مع طارق اسماء اخرى كثيرة مثل هدى عمار وعزة بلبع. كل هذه الاسماء سوف تصل بها الثورة الى مكانة افضل اذا تغيرت المفاهيم داخل ماسبيرو.
وإذا كانت الثورة مستمرة ضد الغناء الهابط من قبل البعض. فالثورة سوف تكون على جبهة اخرى تقف عليها شركات الانتاج والمطربون والملحنون. ضد القرصنة على صناعة الموسيقى. لأن اتحاد منتجى الكاسيت كان قد اتخذ خطوات جيدة نهاية 2010 مع العديد من الوزارات منها الثقافة والداخلية والاتصالات والسياحة. فالثقافة أخذوا من فاروق حسنى قرار يعطى الرقابة حق إصدار تصريح بغلق أو حجب المواقع التى تقوم بالقرصنة وتقوم الاتصالات بالتنفيذ. على أن تقوم شرطة المصنفات بغلق المكان الذى يبث منه الموقع. لكن الخطوات توقفت العام الماضى لان الأوضاع كانت لا تسمح بالتغيير، فالموسيقيون ومنهم المنتجون كانوا قد هددوا بوقفة احتجاجية يرتدون خلالها الملابس السوداء ويضيئون الشموع لاتخاذ الخطوات العملية لانقاذ صناعة الغناء. العام الجديد سوف تتم الوقفة ما لم تقم الدولة باتخاذ إجراءات لحماية الصناعة. لكن عقلاء المهنة طالبوا بالتأجيل لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ويكون الدستور قد وضع ولجان مجلس الشعب قد اكتملت حتى يجدوا صدى لهم، واضعين نصب أعينهم التجربة التركية، حيث كانت من أكثر الدول التى تنتعش فيها القرصنة وبعد إعادة هيكلة الدولة حيث اصبحت تركيا من أكثر الدول التى تنعم فيها صناعة الغناء بالأمان والهدوء.
الثورة مستمرة أيضا فى نقابة الموسيقيين. بعد أن شهدت الانتخابات الأخيرة قدرا كبيرا من الشفافية وهى من أوائل الانتخابات التى تمت بعد الثورة. حرص إيمان البحر درويش خلال الشهريين الأخيرين من العام الماضى على إصدار قرار انتظرناه منذ سنوات طويلة وهو إعادة تنقية جداول النقابة وطرد كل من دخل النقابة بطريق غير مشروع. وهو أمر فى غاية الأهمية سوف يستكمله مع العام الجديد. من ضمن الإجراءات الجيدة التى اتخذها إيمان أيضا لمنح النقابة مزيدا من الشفافية هو تصوير كل اجتماعات مجلس الإدارة ولجان القبول بالفيديو حتى تزداد مساحة المصداقية وحتى يفوت الفرصة على أى شخص من الممكن أن يشهر بلجان النقابة ويعطى الأمان أكثر لأعضاء النقابة ويصبح كل عضو على يقين أن زملاءه بالنقابة من الموهوبين الذين يستحقون عضوية النقابة التى تنتمى إليها أم كلثوم سيدة الغناء العربى وعبدالوهاب موسيقار الأجيال وعندليب العرب عبدالحليم حافظ.
ما يؤكد أيضا أن الثورة مستمرة فى 2012 أن غالبية المطربين لم يعد لديهم تخوف من الرقابة على المصنفات التى كانت تتحكم فى كل ما يطرح فى الأسواق. حيث لم تكن الأغانى ترفض لمعايير أخلاقية أو دينية لكن كانت هناك معايير سياسية. فأى عمل له مدلول سياسى أو يحمل فكرا وعمقا يفهم منه أن هناك نقدا لوضع معين داخل البلد أو التركيز على سلبية معينة مثل انزعاج الناس من الفساد أو عدم وجود ديمقراطية أو استخدام العنف كل هذه المفردات كانت ممنوعة تماما ولا نقاش فيها. الآن خرجت إلينا أعمال مثل «ضحكة المساجين» للمطرب الكبير على الحجار وكذلك اصحى يناير وعاد ألبوم لم الشمل للحياة بعد أن تم منع تداوله منذ عام 1991.