هل النخبة المصرية لا تعرف الشعب المصرى الذى تتحدث عنه، وتدعى أنها صوته وضميره وقلبه؟! أخشى أن تكون الإجابة هى نعم، وأخشى أن يكون معظمنا نحن الصحفيين والإعلاميين وأنا واحد منهم لا نعرف بالضبط نوعية المصريين الذين نتحدث عنهم بل ويدعى بعضنا أنه يحتكر الحديث باسمهم.
مشاهد طوابير الناخبين التى تكررت فى معظم لجان المحافظات التسع التى شهدت الانتخابات تقول بوضوح إن الشعب الذى وقف فى هذه الطوابير ليس هو الشعب الذى تكتب عنه الصحف أو تتحدث عنه الفضائيات وسائر وسائل الإعلام. جميعنا وقعنا فى فخ الأحكام المسبقة والجاهزة بأن غالبية الشعب المصرى كسول، بل أن الذين حكمونا ومنهم أحمد نظيف كان رأيه أن هذا الشعب غير جاهز أو ناضج للديمقراطية. والحقيقة التى لم تعد تقبل الشك أن هذا الشعب أو معظمه أثبت أنه أكثر وعيا وفهما، وتحضرا وديمقراطية من كل نخبته.
القارئة أمانى عبدالفتاح علقت على ما كتبته أمس بعنوان «طابور الانتخابات الطويل مدين لشهداء الثورة»، وسألت سؤالا مهما وجوهريا هو: إذا كنا شعبا بهذه الروعة ولما هو المصريين كده.. أُمال الناس اللى فوق دول بيجيبوهم منين.. بيستوردوهم مثلا».
سؤال فعلا صادق ويؤكد أن حسنى مبارك ونظامه وكل الأنظمة التى ادعت أننا غير مؤهلين للديمقراطية، كانوا يفعلون ذلك فقط من أجل احتكار السلطة ولمنع الشعب من تقرير مصيره بيده.
بعد الذى رأيته من إقبال منقطع النظير أمام اللجان الانتخابية من كل فئات الشعب المصرى، وجب علينا جميعا أن نوجه التحية إلى أولئك «المصريين العاديين». الرسالة الجوهرية التى أراد هؤلاء أن يبعثوها إلينا بسيطة وبليغة ومعبرة وخلاصتها ان مصر بخير طالما أن شعبها بهذه الروح، واننا نحن معشر الإعلاميين أو من يسمون أنفسهم النخبة علينا أن نتوقف عن الحديث باسم هذا الشعب حتى نتعرف عليه جيدا. كثيرا منا أدمنوا إطلاق أحكام جاهزة ومقولبة ربما كانت تصلح قبل ثلاثين أو حتى ستين عاما عن الشعب والادعاء بأننا نفهمه، وفى كل منعطف حاسم كما حدث أثناء ثورة 25 يناير أو استفتاء 19 مارس أو الموجة الثانية من الثورة أو الانتخابات الأخيرة، يتضح لنا أننا كنا مخطئين تماما، وأن هذا الشعب يفاجئنا بمواقف لم تخطر على بال معظمنا.
المعنى الذى ينبغى علينا أن نستخلصه من مشهد الطوابير المتدفقة إلى اللجان هو أن المشكلة ليست فى الشعب، لكن فى النخبة السياسية العاجزة والفاشلة. لو أن الأحزاب والنقابات بذلت حدا أدنى من الجهد لتمكنت من تقوية نفسها والتأثير بالفعل فى الأحداث.
أيها الشعب العظيم، الذى وقف فى الطوابير لساعات لقد أسأنا إليك، ولذلك وجب علينا الاعتذار أولا ثم تحيتك ثانيا.