جاء اعلان رئيس الوزراء الايطالى سيلفيو برلسكونى عن عزمه الاستقالة وعدم الترشح مجددا، عقب موافقة البرلمان الايطالى على خطة التقشف والاصلاح الاقتصادى الأوروبية، بعد أيام من إعلان نظيره اليونانى تشكيل حكومة ائتلافية جديدة لتمرير خطة الإنقاذ الاوروبية الخاصة ببلاده، ليكشف عن دخول الاقتصادات الأوروبية المثقلة بالديون فى أزمات سياسية بين ضغوط المقرضين الدوليين عليها، ومقاومة شعوبها لإجراءات التقشف الاقتصادى التى تعتبرها المؤسسات الدولية أفضل ضامن لقدرة الاقتصادات المأزومة على سداد ديونها. علقت صحيفة النيويورك تايمز على نهاية مشوار برلسكونى السياسى الذى امتد ل 17 عاما بقولها «النهاية لم تكن على يد فضيحته الجنسية، ولا قضايا الفساد المرفوعة ضده، أو حتى تراجع شعبيته.. لقد كانت ضغوط الأسواق التى رفعت تكاليف الاقتراض الايطالى إلى معدلات عالية هذا الأسبوع، والاتحاد الأوروبى غير المستعد للدخول فى مخاطرة انخفاض قيمة عملته امام الاقتصاد العالمى».
وبلغت أسعار فائدة الديون الايطالية لأجل عشر سنوات 6.74%، وهو ما يجعل تكاليف الديون على اقتصاد إيطاليا فى مرحلة تنذر بالخطر، خاصة مع ضخامة حجمه حيث يمثل 120% من الناتج الإجمالى، ويعد ثانى اكبر دين فى منطقة اليورو بعد الدين اليونانى، مما يجعل العديد من المحللين يصفونه بأنه «كبير إلى درجة لا تسمح بإنقاذ الاقتصاد».
ولأن برلسكونى عجز عن أن يمرر اجراءات التقشف التى تشعر الدائنين الدوليين بالثقة فى قدرة ايطاليا على الخروج من أزمتها الحالية، ساهمت ضغوط اسواق الديون الدولية فى إفقاده المساندة السياسية من العديد من حلفائه، وليس ذلك غريبا اذا ما نظرنا إلى حجم ما ستحتاج ايطاليا لاقتراضه من الأسواق الدولية العام القادم فقط، والذى يصل إلى 300 مليار يورو.
ويشير بعض المحللين إلى أن الإجراء الذى قام به برلسكونى، بإعلان التنحى بعد عجزه عن الحصول على الاكثرية المطلقة فى تصويت جوهرى فى مجلس النواب، مشابها لدعوة نظيره الاسبانى، خوسيه لويس ثاباتيرو، بالدعوة لعقد انتخابات مبكرة لتخفيف الضغوط التى تحدثها الاسواق الدولية على اقتصاد بلاده.
إلا أن إجراءات التقشف المطلوبة من صندوق النقد الدولى والاتحاد الاوروبى، لمساندة ايطاليا، ستظل تحديا أمام النخبة السياسية الايطالية، حيث تتضمن مطالب الدائنين الدوليين اجراءات للخصخصة وتخفيض مكتسبات الطبقة العاملة تعترض عليها قطاعات واسعة فى المجتمع الايطالى، فبينما طالبت صحيفة الفاينانشال تايمز فى مقال لها قبل ايام برلسكونى بالاستقالة وبأن تقوم الحكومة الايطالية بتغييرات ذات جدوى، تساءل مقال فى موقع كاونتر فاير البريطانى عن طبيعة التغييرات المجدية التى تطالب بها الصحيفة المتخصصة فى تغطية أسواق المال العالمية، مشيرا إلى أن ايطاليا قد تتعرض لإجراءات اقتصادية قاسية كتلك التى عاشتها تايلاند والمكسيك والبرازيل وبوليفيا والارجنتين ابان خضوعها لاشتراطات صندوق النقد الدولى خلال الثمانينيات والتسعينيات، خاصة أن اكبر حزب معارض لبرلسكونى يؤكد فى تصريحاته على حرصه على استعادة اقتصاد بلاده للمصداقية فى المحافل الدولية، بما يعنى امكانية تبنيه لإجراءات تقشفية قاسية لإرضاء الدائنين الدوليين.