أواخر عام 2008 عصفت الأزمة الاقتصادية العالمية بجميع القطاعات، وبدأ «الانحدار» يضرب سوق العقارات، التى كانت تعيش وقتها أزهى عصورها، لكنها لم تحصل على فرصة لتتعافى وتعود إلى أوضاعها، فكانت الثورة فى بداية 2011 بمثابة المطرقة الطاحنة. رؤية قاتمة قدمها أيمن عبدالحميد، المدير الأول بالشركة المصرية للتمويل العقارى، وصف فيها ما يحدث فى سوق العقارات الآن «بالانهيار»، إلا أنه ما زال متفائلا، «اللى هنخسره من الثورة، مش هيجى حاجة جنب اللى خسرناه من الفساد».
قبل الأزمة العالمية بنحو 3 سنوات ارتفعت الأسعار تقريبا 100%، خاصة فى المناطق البعيدة عن وسط المدينة، بالتحديد فى القاهرةالجديدة والشيخ زايد والتجمع الخامس.
رؤية أيمن لحال السوق مرتبطة بأوضاع البلد الآن والزحمة السياسية التى شغلت الشارع المصرى، والسؤال الذى لا يفارق الجميع، «البلد رايحة على فين؟».
المستثمرون بدأوا التنازل بالفعل، لكن التنازل فى رأى أيمن طفيف جدا، ممثل فى طول مدة التقسيط، وخفض قيمة المقدم، بهدف إغراء العميل للإقبال على الشراء، إلا أن الأسعار ما زالت مرتفعة كما هى، والتى اعتبرها أيمن بأنها «غير منطقية»، وبها هامش ربح كبير.
وتظل المشكلة التى تمنع المستهلك من الانجذاب للإغراءات، «يبقى ابنى فى ايدى وأروح أدور عليه؟»، هذا هو المثل الشعبى البسيط الذى يشرح الحال فى رأى أيمن، «الناس خايفة تحط فلوسها فى أى حاجة فى الوقت ده».
لا ذنب للثورة
العقارات هى الاستثمار الأمثل الذى كان يراهن عليه المواطن المصرى طوال الوقت، لكن هذا فى رأى أيمن تلاشى الآن بعد الثورة، «زمان الواحد كان ممكن يشترى شقة لابنه، وهو عنده 10 سنين، وممكن يستلمها بعد 20 سنة». لكن الوضع الآن اختلف مع استمرار حالة عدم اليقين، «ما حدش عارف بعد ساعة هيحصل ايه»، وطوق النجاة الذى يتعلق به المستثمر والمستهلك الآن هو «الانتخابات التى قد تجعل الخطوات السياسية أكثر وضوحا».
وتحظى العقارات فى مصر بموسمين، طبقا لأيمن، أحدهما يبدأ مع دخول فصل الصيف وينتهى بنهايته، وهو مرتبط بالإجازة وعودة المسافرين من الخارج، وموسم آخر فى شهر فبراير، عند صرف العلاوات والحوافز والأرباح السنوية للعاملين، تنشط السوق العقارية.
إلا أن هذا العام لم يحظ بأى مواسم للعقارات، حيث توقفت المبيعات نهائيا فى شهر فبراير ومارس وأبريل، ولم يحصل موسم الصيف على تميمة حظ، وقد عاد الشراء الآن لكن على «استحياء»، على حد وصف أيمن.
ويظل التفاؤل مبدأ أيمن، فهو يرى أن الأمل متعلق بالعام الجديد، وإن كان لا يتوقع انتعاش الطلب مع أول موسم قريب فى فبراير العام المقبل، لكن ربما يأتى الانتعاش بشكل طفيف فى أواخر 2012.
الثورة فى رأى أيمن «ملهاش ذنب فى اللى بيحصل فى مصر»، وفى عهد الرئيس المخلوع كان هناك انخفاض فى المستوى الاقتصادى يحدث بشكل مستمر، والجميع كان يتوقع ثورة الجياع، وهذا ما يحدث الآن مع انتشار البلطجية».
لكن مشكلة ظهور البلطجية وانتشارهم فى ظل الانفلات الأمنى العام، أثرت بشكل كبير على اتجاهات الناس فى الشراء، وجعلت «الآية مقلوبة»، كما قال أيمن، حيث أصبحت المدن البعيدة عن وسط المدينة، أقل أمانا، 6 أكتوبر، ومدينة الشيخ زايد، والتجمع الخامس، ومدينة الشروق والعبور، والقاهرةالجديدة، كلها أماكن بعيدة معرضة للبلطجة.
«زمان كانت ثقة الناس فى اسم الشركات الكبيرة»، لكن الثورة التى تبعتها حملات تطهير تكشف عن الفساد، «جعلت الأسماء الكبيرة عليها أكس».
وعن أحوال شركات التمويل العقارى، يقول أيمن أن نسبة العملاء انخفضت إلى 10% عن نفس التوقيت من العام الماضى. ويراهن أيمن على إسكان الشباب لأنه الحصان الرابح طوال الوقت فى سوق العقارات، «الناس مش هتبطل تتجوز».
عام الركود
بعد الثورة أصبحت أسئلة عملاء شركات العقارات سياسية ليس لها إجابة عند قسم المبيعات. أحمد سعيد، مسوق فى إحدى الشركات الحكومية للتسويق العقارى، يشرح أن جزءا كبيرا من جلسته مع العميل لإقناعه بوحدة سكنية فى أى مكان بمصر، أصبح يدور حول مناقشات سياسية بدءا بأوضاع البلد، وموعد انتخابات مجلس الشعب، وانتخابات الرئاسة، وانتهاء بالمظاهرات التى تندلع فى أى وقت.
يعمل أحمد فى مجال العقارات منذ 6 سنوات تقريبا، وتعود على أسئلة العملاء التفصيلية فى المساحات، والتقسيم، وصاحب المشروع، وعقود شراء الأرض، لكنه لم يتدرب يوما على أسئلة الشعب بعد الثورة.
«أنت عايش ولا مش عايش، وبتكلمنى من مصر وعارف إيه أخبار البلد، يبقى عايزنى أشترى حاجة إزاى»، بهذه الكلمات استقبل لاعب كرة مشهور مكالمة أحمد لتسويق منتج عقارى، وحتى قبل أن يستمع للعرض، بالرغم من أنه عميل معروف فى الشركة، وسبق له التعامل معها، وأنهى المكالمة بجملة صدمت أحمد، «أنت بتحلم ويا ريت ما تتصلش بحد دلوقتى خالص لحد ما نعرف البلد رايحة على فين»، طبقا لأحمد.
«دبة النملة دلوقتى بتأثر على العقارات»، أحمد يتحدث عن الأخبار اليومية التى تؤثر على الرغبة الشرائية لدى العميل، منها قرارات الحكومة السلبية التى تغضب الشعب، والمظاهرات والمناوشات فى ميادين الاعتصامات، كلها تتسبب بطريقة غير مباشرة فى ضرب سوق العقارات.
ويرى المسوق العقارى إن «السوق واقعة والدنيا سوداء»، منذ شهر فبراير الماضى، وأصبحت محاولات أحمد يائسة فى إقناع العملاء، «الردود بتكون صادمة والمكالمة بتاخد أبعاد سياسية وحوار مفتوح لمناقشة أوضاع البلد، خصوصا بعد الفوضى الأمنية».
«زمان كان المشكلة فى المكان أو فى الشقة»، لكن اليوم الحال اختلف وأصبح من الصعب أن يقتنع العميل «أنه يحط القرشين اللى معاه فى شقة وهو سامع عن البلطجة».
شهور طويلة مرت على أحمد داخل مقر الشركة بالعجوزة يحاول الاتصال بالعملاء لإقناعهم بمشروع عقارى جديد، «كنت بعمل 40 مكالمة فى اليوم، أخد 3 مواعيد بس»، وتظل المشكلة أن يذهب العميل فى ميعاده إلى الشركة، «ممكن يغير رأيه وهو جاى فى الطريق لو سمع فى النشرة أى خبر عن شغب ولا بلطجة فيقرر يرجع بيته».
حتى إعلانات العقارات التى تملئ صحف الجرائد يوميا لم تؤثر.
«دا أقوى اختبار حصل لسوق العقارات»، فمن شهر يناير إلى الآن المبيعات قلت 50% تقريبا، هكذا يرى محمد السيد مستثمر عقارى بمنطقة حدائق الأهرام وحدائق أكتوبر، مؤكدا أن القطاع العقارى ما زال متماسكا ولم ينهر، ويظل الأمل متعلق بانتخابات مجلس الشعب نهاية العام. فى رأيه الانتخابات ستضع الخطوط العريضة التى تطمئن الشعب على مصير مصر.
لكن الناس (خايفة)
ويتعجب السيد من ارتفاع أسعار البناء هذا العام عن الأعوام الماضية، بالرغم من حالة الركود التى تشهدها السوق العقارية.
ولا يعد السيد المشترى بما هو أفضل، «مش هقدر أنزل الأسعار علشان ما خسرش»، حتى مع استقرار أوضاع البلد بعد إجراء الانتخابات، «مين هيعوضنى عن سنة ركود فى المبيعات».
خلال عام 2011 لم يتمكن السيد، الذى يمتلك نحو 10 عمارات جاهزة للتسليم، من بيع نصف الوحدات، «مع إن فيه تسهيلات فى الدفع لكن الناس خايفة». ويتساءل «هو ليه ما فيش جهة مسئولة عن القطاع العقارى فى مصر».
المستثمر فى حاجة إلى جهة يتعامل معها، و«يرجع لها فى الأزمات»، موضحا أن المستثمر فى مصر «دمه تفرق بين القبائل»، لأنه لا يوجد اتحاد أو رابطة تنظم المستثمرين، والتعامل دائما مع الجهاز وهيئة المجتمعات العمرانية والتخطيط العمرانى التابعان لمكان الأرض التى يشتريها المستثمر.
«أنا مش مستعجل على بيع الوحدات اللى عندى»، لأن الدولة من أكثر من سنة لم تطرح أراضى جديدة للاستثمار، وهذا دافع فى رأيه لرفع الأسعار.
وأشار إلى أن منطقة حدائق أكتوبر وحدائق الأهرام، لم يتم الانتهاء من المرافق العامة بهما حتى الآن، وكان الاتفاق مع الحكومة أنه يخلص من أكثر من سنتين، وحتى الآن لم يتحرك ساكنا».