تتواصل المشاورات بين مختلف الأطراف السياسية خصوصا بين الإسلاميين وأبرز أحزاب اليسار للتحضير للفترة الانتقالية الثانية في تونس في حين عاد الهدوء إلى مدينة سيدي بوزيد بعد اضطرابات أعقبت الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي. وأعلن حمادي الجبالي الامين العام لحزب النهضة ومرشحها لمنصب رئيس الحكومة الانتقالية الثانية بدء "مشاورات اولية" منذ الخميس بين حزبه (90 مقعدا في المجلس التاسيسي) وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية (يسار قومي-30 مقعدا) والتكتل الديموقراطي من اجل العمل والحريات (يسار-21 مقعدا) في اطار مشاورات ستشمل العديد من الاحزاب الاخرى، للاتفاق على مختلف مؤسسات المرحلة الانتقالية الثانية.
ورغم أن الاتفاق بين هذه القوى الثلاث الرئيسية في المشهد السياسي التونسي الجديد (141 مقعدا من 217)، يكاد يؤمن لها اغلبية الثلثين في المجلس، فان مصادر حزبية أشارت إلى سعي حزب التكتل الحثيث إلى ضم قوتين يساريتين أخريين إلى الأغلبية ل"تعزيز موقع اليسار ولضمان اكبر قدر من الاجماع".
والقوتان هما الحزب الديمقراطي التقدمي (17 مقعدا) وتحالف القطب الديمقراطي الحداثي حول حزب التجديد (الشيوعي سابقا- 5 مقاعد) اكبر الخاسرين في الانتخابات واللذان اعلنا انهما تحولا إلى المعارضة. من جهة اخرى اشارت العديد من الصحف التونسية إلى تودد حزب النهضة لحزب العمال الشيوعي التونسي وللحزب الديمقراطي التقدمي والقوميين.
واكد زعيم النهضة راشد الغنوشي الجمعة انفتاح حزبه على كل القوى التي ناضلت ضد الاستبداد منذ اكثر من 50 عاما في تونس لبناء مؤسسات الدولة الجديدة على قاعدة "الوفاق". وقال في هذا الصدد "نسعى إلى إخواننا في الوطن مهما كانت توجهاتهم طالبين منهم المشاركة في كتابة الدستور وفي نظام ديمقراطي وفي حكومة ائتلاف وطني في اطار الوفاق".
واضاف "لا يجب أن نغفل جهاد من ناضلوا من اجل هذه الثورة وتداولوا على السجون منذ الاستقلال (1956) من قوميين واشتراكيين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين" مشيرا إلى ما يعرف في تونس ب "وثائق وارضية ائتلاف 18 اكتوبر" 2005.
وهو تحالف واسع ضم اغلب القوى اليسارية والقومية والنقابية والشخصيات المناضلة ضد الاستبداد في عهد زين العابدين بن علي اضافة إلى الاسلاميين بعد تاكيد هؤلاء خصوصا موقفهم المؤيد لحقوق المراة ولايمانهم بالدولة المدنية والديمقراطية وسيلة للوصول إلى الحكم. وبعد انقضاء اجل الطعون في نتائج انتخابات 23 اكتوبر، سيدعو الرئيس التونسي الموقت فؤاد المبزع المجلس التاسيسي المنتخب إلى الاجتماع.
ويتولى المجلس التاسيسي اختيار رئيسه ونائبيه والاتفاق على نظامه الداخلي ونظام مؤقت لادارة الدولة كما يعين رئيسا مؤقتا جديدا محل المبزع الذي كان اعلن نهاية الاسبوع الماضي انسحابه من العمل السياسي. وبعد ذلك، يكلف الرئيس الموقت الجديد من تتفق عليه الاغلبية في المجلس بتشكيل حكومة جديدة للمرحلة الانتقالية الثانية منذ الاطاحة بنظام بن علي. ويدعو حزب النهضة إلى تشكيل "حكومة ائتلاف وطني" ويؤيده في ذلك حزب المؤتمر من اجل الجمهورية.
في المقابل يدعو حزب التكتل إلى "حكومة مصلحة وطنية" مع استبعاد "الاحزاب التي تعاملت مع بن علي" في حين يدعو حزب التجديد (الشيوعي سابقا) إلى "حكومة كفاءات وطنية من خارج الاحزاب". من جانب آخر عاد الهدوء السبت إلى مدينة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس) التي كانت شهدت اضطرابات واعمال تخريب لمقار عامة وخاصة عقب اعلان نتائج انتخابات المجلس التاسيسي مساء الخميس في تونس. وافاد مراسل وكالة فرانس برس أن الليلة الماضية كانت هادئة جدا واحترم حظر التجول الليلي الذي اعلن اثر الاضطرابات ولم تسجل اي حوادث.
وكان اعلن عن حظر تجول ليلي الجمعة من الساعة 19.00 إلى 05.00 (18.00 إلى 04.00 ت غ). وصباح السبت وهو يوم السوق الاسبوعية في سيدي بوزيد، كانت الحركة طبيعية في المدينة وفتحت المحال التجارية والمقاهي ابوابها ونظمت حملات نظافة بمشاركة الاهالي لازالة آثار اعمال العنف. ورغم ذلك فقد اصدر المسؤول المحلي للتعليم امرا بابقاء المعاهد الثانوية مغلقة اليوم وذلك "من باب الاحتياط"، بحسب المصدر ذاته.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية لوكالة فرانس برس أن حظر التجول الليلي سيستمر "حتى اشعار آخر ولحين التاكد من استتباب الهدوء في المدينة" مؤكدا أن الاضطرابات لم تسجل فيها اصابات. وكانت مدينة سيدي بوزيد (وسط غربي) شهدت اعمال عنف تلت احتجاجات على الغاء فوز عدد من قوائم "العريضة الشعبية" وتنديد زعيمها الهاشمي الحامدي الذي يتحدر من منطقة سيدي بوزيد بما قال انه استبعاد النهضة له من مشاورات التحضير للمرحلة الانتقالية القادمة.
غير أن الغنوشي اكد الجمعة "نحن اكدنا اننا نحترم ارادة الشعب وكل قائمة فازت سواء كانت مستقلة او تابعة لحزب فهي جديرة بان تحترم ويحترم اهلها" مضيفا "نحن تشاورنا مع احزاب وليس مع قوائم مستقلة وهذه الاحزاب لنا معها تاريخ ولم نتشاور بعد مع اي قائمة مستقلة".
ودعا الهاشمي الحامدي مساء الجمعة في مداخلة هاتفية في برنامج حواري مع قناة "حنبعل" التونسية الخاصة إلى الهدوء والى التوسط بينه وبينه النهضة. وقال "يا اهالي سيدي بوزيد اوقفوا الاحتجاجات والمظاهرات" داعيا إلى التوسط بينه وبين النهضة لمعالجة اي خلاف ومشيرا إلى أن المجلس التاسيسي "يحتاج معارضة قوية".