المحافظون فى مصر على أعتاب اختبار صعب مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابى الأول فى أعقاب ثورة 25 يناير.. هذا الاختبار هو اختبار الحيادية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد أن ظل المحافظون وجميع أجهزة الدولة لعقود أداة طيعة تسخر فى يد الحزب الحاكم مع كل استحقاق انتخابى تدخله البلاد.. فهل ينجح المحافظون فى الوقوف على مسافة واحدة من جملة الأحزاب والتحالفات السياسية متعددة المشارب والاتجاهات السياسية فى هذا الاستحقاق الانتخابى؟ سؤال طرحته «الشروق» على المستشار محمد عطية، وزير التنمية المحلية وعدد من المحافظين، فجاءت إجاباتهم قاطعة بأن المحافظين ربما للمرة الأولى فى تاريخ مصر سيقفون على الحياد وعدم الانزلاق فى دعم مرشح أو حزب سياسى على حساب آخر. وزير التنمية المحلية المستشار محمد عطية، شدد فى البداية على أنه «أصدر تعليمات للمحافظين على مستوى الجمهورية بالتزام الحيادية تجاه العملية الانتخابية البرلمانية المقبلة وعدم التدخل فيها، محددا دورهم بتوفير مقار اللجان الانتخابية فقط.
فيما اعتبر محافظ الشرقية، عزازى على عزازى أن «الانتخابات البرلمانية المقبلة هى أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر لا ينحاز فيها المحافظون وجميع أجهزة الدولة إلى مرشحين بعينهم بعد اختفاء الحزب الوطنى المنحل من الحياة السياسية، وهو ما يضمن حيادية جميع أجهزة الدولة التنفيذية التى كانت مسخرة لخدمة مصالح النظام السابق، وهو ما يضمن وصول الصوت إلى مستحقيه.
وأكد عزازى أن وجود إشراف قضائى كامل يضمن سير الانتخابات بشكل محايد بنسبة تتعدى ال80% مقارنة بالنظام السابق «مما لا يدع مجالا للتشكيك فى نزاهتها»، مضيفا أن حجم المشاركة الشعبية فى عمليات التصويت سوف لا تدع أى مجال للتزوير بالأصوات كما كان يحدث فى عهد النظام السابق.
وعن فلول النظام السابق أكد محافظ الشرقية أنها ستترك للشارع يواجهها وللأصوات لتستبعدها حيث إنه «لابد أن نثق فى الناخب المصرى التى تغيرت ثقافته الانتخابية بعد الثورة»، متابعا: «المواطن المصرى كان كارها لعناصر النظام السابق فى أشد مراحل تجبرهم مما كان يجعله يعزف عن التصويت بالانتخابات البرلمانية السابقة مما يتيح الفرصة لعناصر الحزب المنحل لتزويرها بطرق علنية فاضحة بالإضافة إلى وجود قطاع رسمى خاص ب«البلطجية» لتسيير أعمال الانتخابات.
محافظ أسيوط، اللواء سيد البرعى أكد من جهته «أن المحافظ لن يدعم أى حزب بعينه بالانتخابات المقبلة، حيث إنها تعد لحظات حرجة فى تاريخ البلاد تحاول فيها الاختيار بإرادتها.. لابد أن نتيح الفرصة كاملة للمواطن كى يختار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وبعيدا عن أى محاولة لدفعه للتصويت لطرف دون الآخر».
وأوضح البرعى أن المحافظين فى عهد النظام السابق كانوا يدعمون نواب الحزب الوطنى المنحل بطريقة مباشرة، وذلك بعدة وسائل كان من أشهرها الموافقة على مشاريع مؤقتة لهؤلاء النواب لاستغلالها فى الدعاية، والترويج لهم بطرق غير شرعية، مشيرا إلى أنه يقوم حاليا باستقبال جميع المواطنين ومقترحاتهم سواء كانوا من المرشحين أم لا، على أن لا تتم الموافقة على أى مشروعات إلا بعد التأكد من حياديتها وعدم استغلالها فى الدعاية.
وأضاف البرعى أن المحافظ سيقتصر دوره على توفير المقار الانتخابية وتجهيزها فقط، ولن يكون له دور فى الانتخابات المقبلة حيث إن جميع التنسيقات التأمينية ستكون من اختصاص مديريات الأمن وقوات الجيش.
«قبل 25 يناير لم يكن هناك انتخابات من الأساس».. بهذه العبارة القاطعة بدأ محافظ سوهاج، اللواء وضاح الحمزاوى مؤكدا أن «النتائج فى الماضى كانت معروفة سلفا؛ حيث إن معظمهم كان ينتمى إلى الحزب الوطنى المنحل الذى كان يعمل على نجاح عناصره بطرق غير شرعية.. أما الآن فيصعب معرفة المرشح الفائز من غيره».
وتابع الحمزاوى قائلا: «تدخل المحافظ فى الانتخابات المقبلة سيقف عند توفير المقار الانتخابية والأعمال الإدارية فقط، لضمان سير العملية الانتخابية بأقصى درجات النزاهة، كما أن الشرطة والجيش ستضمن عملية الحياد».
وأكد محافظ سوهاج أن مبدأ إقامة مشروعات للمرشحين غير موجود بالمحافظة حفاظا على شفافية الوضع الحالى، لافتا إلى أن هذا الأسلوب كان موجودا بالفعل فى عهد النظام السابق.
وأبدى الحمزاوى تفاؤله من ناحية الوضع الأمنى خلال عمليات التصويت قائلا: «عدم نزاهة العملية الانتخابية وتزوير الانتخابات كانا سببين رئيسيين فى حدوث نزاعات بالمقار الانتخابية، ولكن بعد التأكد من سير الانتخابات بنزاهة سيختلف الوضع كليا».
ومن جانبه قرر محافظ الوادى الجديد اللواء طارق المهدى «فصل نفسه عن أى مرشح بمحافظته» على حد تعبيره، مشيرا إلى أن من أهم أساليب الحيادية بالمرحلة المقبلة عدم لقاء المرشحين أو الاستجابة لمطالبهم مع عدم السماح لهم باستغلال المحافظة أو مرافقها العامة فى الدعاية الانتخابية المتجاوزة.
وأضاف المهدى أنه لن تتم الموافقة على أى مشروعات للمرشحين طوال فترة الانتخابات، كما أنه لن يتم قبول أى دعوات لمؤتمرات المرشحين مؤكدا أن أى دعم لأى مرشح حاليا لن يكون فى صالح حيادية الانتخابات.
وتابع قوله: «قمنا بتحديد المقار الانتخابية التى ستشهد أول انتخابات نزيهة بمصر وتجهيزها على الشكل الأمثل كما تم اختيار الفرعية مع مراعاة قربها من الكتل السكنية بالمحافظة لتيسير عملية التصويت على الناخبين».
واتفق معه محافظ الجيزة د. على عبدالرحمن، فى أن يكون جميع قيادات المحافظة بدءا من المحافظ وحتى المجالس المحلية على مسافة واحدة من المرشحين مع مراعاة عدم التجاوز أو عدم التحيز إلى أى فرد منهم مهما كانت انتماءاته الحزبية، مؤكدا عدم تدخله بالعملية الانتخابية المقبلة التى ستسفر عن عصر جديد ستعيشه البلاد فى مناخ من الديمقراطية.
وتابع محافظ الجيزة «مكتبى مفتوح للجميع لتلقى الشكاوى فقط فلا أستطيع عزل نفسى عن المرشح فهو أولا وأخيرا مواطن عادى ولن يستجاب لأى مطلب إلا بعد التأكد من نزاهته».
وأضاف عبدالرحمن أن المحافظة ستعمل على توفير أجواء هادئة أمنيا تجعل الناخب بعيدا عن أى ضغوطات للتأثير عليه للتصويت لمرشح بعينه.
ومن جانبه أكد رئيس وحدة دعم اللامركزية بجامعة القاهرة د. سمير عبدالوهاب أن طبيعة المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد تساعد بشكل كبير فى وجود عنصر الحيادية، حيث إن الأمور بدت بشكل أوضح ولن يتم السكوت على فساد يراه المواطنون.
وأوضح عبدالوهاب أن المحافظين حاليا ليس من صالحهم الانتماء إلى أى جهة، فالحزب الوطنى المنحل الذى كان يختار المحافظين ولّى إلى غير رجعة.
ونوه رئيس وحدة دعم اللامركزية إلى أن «مصدر قوة المحافظ فى العهد السابق كان الانحياز للحزب الوطنى المنحل لكسب رضاء الحكومة المركزية، ولكن الآن الحكومة غير منحازة لأى جهة، وبالتالى المحافظ لن يكون منحازا لأى حزب بعينه مما يضمن حياديته ونزاهة الانتخابات».
ووصف عبدالوهاب الانتخابات السابقة بأنها كانت «انتخابات شكلية فقط» حيث إنها لم يكن عليها إقبال من قبل المواطنين لعدم ثقتهم «إلى أين ستذهب أصواتهم؟»، مؤكدا أن ذهاب المواطنين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات المقبلة سيزيد من نزاهتها.
ويقول خبير المحليات حسن الخيمى إن عملية تدخل المحافظين للسيطرة على سير الانتخابات أصبحت صعبة فى الوقت الحالى فى ظل وجود الجيش والشرطة فضلا عن اللجان الشعبية التى ستقوم بتأمين المقار الانتخابية، مضيفا: «لن يكون باستطاعتهم التدخل أو ممارسة أى ضغوطات على المرشحين أو الناخبين لتزوير النتائج كما كان يحدث من قبل».
ويؤكد خبير المحليات أيضا على ضرورة صدور قانون العزل السياسى حيث إن مصر لم تتخلص بشكل كامل من عناصر فلول الحزب المنحل التى تنتوى نسبة كبيرة منهم تصل إلى 80% الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة.