«سلامة الغذاء»: 31 ألف طن زيادة في صادرات مصر من الخضراوات والفاكهة    بمليون جنيه.. «الداخلية»: ضبط عنصرين إجراميين بتهمة ترويج المخدرات في القاهرة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 6 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    «الداخلية»: تحرير 549 مخالفة عدم ارتداء خوذة وسحب 1515 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    الفنان محمد فوزي.. ذكرى وفاة عبقري الموسيقى    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم المخرج السنغالي موسى توريه    «كيفية التأسي بالنبي».. ندوة توعوية للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر في مالي    قافلة جامعة عين شمس تقدم خدماتها ل 10 آلاف مواطن بحلايب وشلاتين وأبو رماد    «نمط حياة لإنقاص الوزن واتباع نظام صحي».. طبيب يوضح أنواع الصيام المتقطع    بالصور.. محافظ أسيوط يشيد بموهبة طالبة في الجمباز خلال جولته المدرسية    وزير الأوقاف يشارك في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي برابووو سوبيانتو    جثة شاب ملقاة بجرجا وآثار طعنات غامضة تثير الرعب.. البحث جارٍ عن القاتل    وزيرة التنمية المحلية: الدولة تسترد مليون متر مربع بعد إزالة 1232 مبنى مخالفا    الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال مسئول طاقم إنتاج الأسلحة في حزب الله    الأهلي يستهل رحلة الدفاع عن لقب السوبر بمواجهة سيراميكا كليوباترا    ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)    مفتي الجمهورية يوضح حكم عمليات تجميل الأنف    المعلقين والاستديو التحليلي لمباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا السوبر المصري    محطات في حياة شيخ الأزهر ال 47.. الفقيه الأشعري الشافعي الإمام الفيلسوف محمد بيصار    جامعة قناة السويس تحقق إنجازا عالميا جديدا    البنك الأهلي المصري الأكثر أماناً بمصر والتاسع أفريقيا لعام 2024    وزير الإسكان: تغيير حدود الدخل ضمن الطرح الجديد بمبادرة «سكن لكل المصريين»    وزير الإسكان يعلن تغيير حدود الدخل لوحدات «سكن لكل المصريين»    وزارة الداخلية تقرر السماح ل42 مواطناً مصرياً بالحصول على جنسيات أجنبية    وزير التعليم العالي يؤكد أهمية نشر المعرفة العلمية بعدة لغات    تسريب وثائق «سرية للغاية» عن خطط إسرائيل لضرب إيران.. ملخص سريع لأبرز الأحداث    السكك الحديدية تنقل السائحين من محطة بشتيل لأسوان لمشاهدة تعامد الشمس    عاجل:- تسريب وثائق سرية من البنتاجون تكشف استعداد إسرائيل للهجوم على إيران    براتب 14000 جنيه.. «العمل» تعلن 12 وظيفة في مجال السياحة بجنوب سيناء    بحضور الوزير.. "قوى النواب" تناقش قانون العمل الجديد اليوم    تعرف على برنامج الزمالك اليوم قبل مواجهة بيراميدز    يوتيوب دون تقطيع الآن.. مباراة مانشستر سيتي ووولفرهامبتون Manchester City vs Wolverhampton اليوم في الدوري الإنجليزي الممتاز 2024    السيسي يصل لمقر افتتاح النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية    استشاري: السيدات أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام «المرض الصامت»    دورة تدريبية لتنمية مهارات القيادات المحلية في مجال إدارة الأزمات ومواجهة الشائعات    أسعار الدولار اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    لماذا توفى الله سبحانه وتعالى نبيه محمد وهو خاتم الرسل؟.. علي جمعة يوضح    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    ضبط مسجل خطر لسرقته مشغولات ذهبية بالنزهة    وزير الأمن القومي الإسرائيلي يُهاجم جيش الاحتلال.. ما السبب؟    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    اليوم .. محاكمة اللاعب أحمد ياسر المحمدي بتهمة اغتصاب فتاة في قطر    طارق الدسوقي خلال افتتاح ملتقى المسرح للجامعات: هذه الدورة الأصعب على الإطلاق    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    اليوم.. إعادة إجراءات محاكمة متهمين اثنين في «فض اعتصام رابعة»    لبنان: 4 شهداء و13 جريحا جراء غارة للاحتلال على بعلول في البقاع الغربي    بعد اغتياله.. ماذا قال الطبيب المشرف على تشريح جثمان يحيى السنوار؟    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    غارات جوية للاحتلال تستهدف منطقة المواصي في قطاع غزة    يوفنتوس يهزم لاتسيو ويقفز لصدارة الكالتشيو    طريقة حجز شقق ذوي الهمم من موقع «مسكن محور الأراضي»    إعلام فلسطيني: غارات متتالية تستهدف منطقتي الصبرة وتل الهوى غرب غزة    درس قاسٍ في مكان العمل.. برج العقرب اليوم الأحد 20 أكتوبر    اتحاد الكرة: منتخب الشاطئية يخوض أمم إفريقيا من أجل التتويج    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    تاريخ مواجهات الأهلي ضد سيراميكا كليوباترا.. تفوق أحمر بلا هزيمة    نشرة الفن.. حقيقة صادمة في سبب انفصال نادين نجيم عن خطيبها وشيرين ترد على اعتذار أحلام بمنشور مفاجئ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة التوك توك.. معركة تحديد المصير
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 09 - 2011

أعلن محافظ القاهرة منذ يومين أنه سوف يبدأ فى تطبيق حظر تسيير «التوك توك» فى شوارع محافظة القاهرة نهائيا، وأن قراره سوف يتم تنفيذه فورا. لا تضحكوا لو قلت لكم إن هذا قرار مصيرى بالمعنى الحقيقى، وإن تحديد من ينتصر فى هذه المعركة سوف يكون له أكبر الأثر على مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر.

دعونى أولا أعرب عن إعجابى الشديد بالتوك توك. فهو مثال على الحل غير الرسمى لمشكلات تعجز الحكومات عن حلها بشكل رسمى. فى كل قرية فى مصر، وفى المراكز، وفى بعض الأحياء الرئيسية فى المدن، انتشر التوك توك لأن الدولة عجزت عن سد حاجة المواطنين لواحد من أساسيات حقوق الإنسان، وهو حق التنقل، فجاء التوك توك لكى ينقذهم من إهمال الدولة، ومن السير لمسافات غير إنسانية، وليقربهم من مراكز العمل والخدمات الصحية ومن المدارس، ويساعدهم فى الحفاظ على صلة الرحم. ولا أتصور أن الحياة صارت ممكنة فى الكثير من أرجاء الجمهورية بدونه.

ولكن إلى هنا ينتهى إعجابى بالتوك توك. فلأنه ظاهرة ناشئة من عجز الدولة عن الوفاء بدورها الأساسى، فإنه بالضرورة قد جاء مستغلا لحاجة الناس، ومعتمدا على احتكار الخدمة لهم وعلى غياب الدولة من الساحة، فعرضهم لتقلبات سعرية لا يحكمها قانون ولا نظام، وعرض فتياتهم للمهانة، وعرض ملابسهم للبهدلة، وعرض السائرين فى الشوارع لأخطار غير مسبوقة. وهكذا صار التوك توك شأنه شأن كل نشاط غير رسمى ينشأ بسبب غياب الدولة نعمة ونقمة فى ذات الوقت، نكرهه ولا نستغنى عنه، نتمنى زواله ولا نعلم له بديلا. وهذه طبيعة الأنشطة غير الرسمية: المنادى فى الشارع يكون شديد الاستغلال ولكن بدونه لا يمكن ركن السيارة فى غياب أى تنظيم قانونى، وباعة الخبز الجائلين يستغلون الدعم أسوأ استغلال ولكن بدونهم بعض الناس لا يصلون إلى رغيف الخبز مطلقا، وتجار العملة يتلاعبون بالأسعار وبالأوراق المزيفة ولكن نحتاجهم حينما تعجز شركات الصرافة والبنوك عن سد احتياج الناس للعملة الأجنبية. والقياس ممكن على كل المستويات. فهذه هى طبيعة الأسواق، إذا انسحبت الدولة أو تقاعست أو عجزت لأى سبب عن تقديم خدمة أساسية يحتاجها المواطنون، فإن البديل سوف يجد طريقا للوصول إليهم ولكن فى ظروف استغلالية ومخالفة للبيئة والصحة والأمان على نحو يتعارض مع فكرة الدولة الحديثة.

لنأتى إذن إلى قرار محافظ القاهرة ولماذا يمثل معركة فاصلة. فى تقديرى أن أهمية هذه المعركة تكمن فى جانبين: الجانب الأول أن موضوع الانفلات الأمنى الذى تعانى منه البلاد منذ 28 يناير قد تجاوز المعقول وصار يهدد بأن يتحول إلى فوضى عارمة، إن لم يكن قد تحول بالفعل. فى هذه اللحظة فإن الناس تترقب وتنتظر الخطوة التالية من الدولة وما إذا كانت سوف تنجح فى النهاية فى تطبيق إرادتها وسلطتها على الشارع أم لا. فى هذه اللحظة، فإن كل قرار تكون له قيمة رمزية أكثر مما تكون له قيمة واقعية بكثير. الموضوع لم يعد تسيير التوك توك فى شوارع القاهرة أم لا، بل تجاوز ذلك. القضية هل يستطيع المحافظ أن يطبق إرادة الدولة وسيادة القانون على شوارع المحافظة، أم يصدر قرارا ثم يعود بعد قليل للتراجع عنه والتنصل منه وتجاهل مضمونه إذا ما وجده صعب التطبيق، مثيرا لمشكلات لا قبل له بها. هل تتذكرون قرارات منع تسرب الدقيق من المخابز؟ ومنع التحرش بالفتيات؟ وحظر الباعة الجائلين من وسط البلد؟ ومنع الدروس الخصوصية؟ هذه أمثلة محدودة لقرارات صدرت بحسن نية ولكن دون تقدير للعواقب والمصاعب فى التطبيق. فلا يوجد قرار سيادى، يسعى لفرض القانون والنظام، لا يسعد بعض الناس ولكن يغضب الكثيرين. ولذلك فإن التمسك بتطبيق القرار سوف يكون ذا قيمة رمزية لأنه سوف يعبر عما إذا كانت الدولة قادرة على فرض قدر من النظام ولو فى مجال التوك توك أم لا تزال تتصور أنه يمكن إسعاد الجميع. سنغافورة التى يعتبرها الكثيرون رمزا للتحول من الفقر للرخاء، ومن الفوضى للنظام، كانت إحدى معاركها الأولى منذ أربعين عاما، منع التدخين فى الشوارع ومنع إلقاء القمامة فى الطرق العامة. ولكنها تصدت لتحقيق ذلك بما يشبه الهوس، ليس لأن قذارة الشوارع كانت مشكلتها الرئيسية، وإنما لأن القضية تحولت إلى صراع على ثقة الناس فى الدولة، وفى القانون وفى العدالة. لذلك صدقونى، لو انتصر المحافظ فى معركة التوك توك فقد يكون هناك أمل فى أن تنتصر الدولة على البلطجة والتسيب والسرقة والاعتداء على أقسام الشرطة.

ولكن الجانب الثانى من أهمية معركة التوك توك القادمة يرتبط بضرورة قيام المحافظة بتوفير البديل الرسمى، أو فى تنظيم خطوط سير التوك توك نفسه. المهم أن القول بحظر سير التوك توك فى شوارع المحافظة دون النظر فيما جعل الناس يلجأون إليه فى المقام الأول لن يكون سوى ضحك على النفس وهروبا من الاعتراف بالأمر الواقع. فى بلدنا فى أسيوط يكره الناس استخدام التوك توك، ولكنه بدون مبالغة وسيلة النقل الوحيدة التى تربط كل القرى بالمراكز التابعة لها، مع العلم بأن الذين يتحركون بين كل مركز والقرى التابعة له بالآلاف يوميا. لا يوجد أتوبيس، ولا يوجد موقف رسمى لسيارات الأجرة، ولا يوجد بديل سوى التوك توك القادر على اجتياز كل المصاعب والمشاق والطرق غير المرصوفة (أو اللاطرق بمعنى أصح). لذلك فعلى محافظ القاهرة، كما على كل مسئول فى الدولة مع كامل تقديرى لرغبتهم فى تطبيق القانون الاستعداد بالبديل فى مجال الصحة وفى مجال التعليم وفى مجال الصحة كما فى موضوع التوك توك. أما فى غياب هذه البدائل، فسوف نستمر نكره التوك توك ونقف له احتراما فى ذات الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.