قبل أن أجيب عن هذا السؤال، نحتاج الإجابة على ثلاثة أسئلة أخرى. السؤال الأول، ما هى أهمية الأحزاب؟
نسبة المنضمين إلى أحزب فى مصر الآن لا تزيد بأى حال على 10 بالمائة ممن هم فوق سن الثمانية عشر. وهى نسبة معقولة ولكنها يفترض أن تزيد.
فى المجتمعات الحديثة أصبح هناك ما يسمى ب«التمايز البنائى والتخصص الوظيفى» بمعنى أن مؤسسات الدولة العصرية تتمايز بحكم اختلاف أهدافها وتتخصص لأن التخصص يسمح لها بتحقيق أهدافها بكفاءة أعلى. فمثلا توجد النقابات التى تدافع عن مصالح أعضائها وتقدم لهم بعض الخدمات وتسعى للارتقاء بالمهنة التى ينتمون إليها. لكن لا يمكن تصور أن نقابة ما ستحكم مصر لأن المصريين أعطوها أصواتهم فى الانتخابات. لذا لجأت معظم المجتمعات إلى إنشاء كيانات أخرى يمكن أن ينضم إليها الأفراد لتحقيق أهداف غير مهنية وإنما أهداف سياسية.
أهمية الحزب تنبع من وظائفه التى يمكن اختصارها فى أربع. الوظيفة الأولى هى التنشئة السياسية؛ فداخل الحزب الناجح يتعلم الأفراد تفاصيل الحياة السياسية من دستور وقوانين وإدارة حملة انتخابية. الوظيفة الثانية هى تجميع مصالح وأراء أعضائه وتحويلها من أفكار عامة إلى برامج حزبية ربما تصبح لاحقا السياسة العامة للدولة لو فاز الحزب بالأغلبية. الوظيفة الثالثة، هى المعارضة والرقابة إن كان حزب الأقلية داخل البرلمان. الوظيفة الرابعة هى الحكم والإدارة لو حصل الحزب على الأغلبية.
السؤال الثانى هو بشأن معايير الاختيار والانضمام للأحزاب. المسألة تتوقف على الشخص وعلى الحزب. هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب: هناك أحزاب «نجوم» ينضم الناس إليها بسبب ثقتهم فى الأسماء الموجودة فى الحزب سواء بحكم العاطفة (وهو أسوأ طريق ممكن لأن العاطفة لا تضمن الصواب)، أو بحكم الثقة المبنية على مواقف سابقة لهذا الشخص أو ذاك. وكم من قيادات فشلوا وأفشلوا أحزابهم لأنهم حاولوا أن يحولوا رأس ما لهم الشخصى لرأس مال حزبى اعتمادا على الماضى وليس بالتخطيط للمستقبل. وهناك ثانيا، أحزاب الأيديولوجيات التى يتحول فيها تيار فكرى ما إلى تنظيم سياسى حزبى اعتمادا على استقطابه الأيديولوجى. وهناك ثالثا أحزاب البرامج القائمة على دراسات جدوى محكمة البناء. وما يغلب على مصر الآن هما النوعان الأول والثانى.
السؤال الثالث، ماذا يحدث فى حالة عدم انضمامى لحزب معين؟
لا ضير، هناك ما يسمى فى الدول الديمقراطية «بالناخب المتأرجح» أى الناخب غير الملتزم حزبيا، وإنما يعطى صوته فى كل انتخابات وفقا للمعطيات التى أمامه. هذا الناخب ليس سلبيا، وإنما هو يرى أن أيا من الأحزاب لا تقدم كل الإجابات التى يرضى عنها فى كل المجالات. ويقوم بعملية الترجيح قبل كل انتخابات. وفى أغلب الدول يكون هؤلاء هم المحدد الرئيسى لنتائج الانتخابات. وبعض الدراسات الميدانية توضح أن وجود هذا الناخب «الإيجابى غير الملتزم حزبيا» يكون عنصر استقرار؛ لأن الاستقطاب الحزبى المبالغ فيه يخلق حروبا أهلية حزبية.
السؤال الرابع، هل نحن بحاجة لأحزاب جديدة؟
نعم ولا. نعم طالما أن هناك أحزابا تنشأ إذن فهناك حاجة لوجودها لأن هناك قطاعا من المصريين يريدون أن يشاركوا فى العمل السياسى الحزبى ولا يجدون الإطار الملائم لأسباب شخصية أو أيديولوجية أو تنظيمية، وعليه ينشئون حزبا جديدا. ولكن عليهم أن يعوا أن الزيادة المبالغ فيها فى عدد الأحزاب يمكن أن يؤدى إلى ظاهرة التشرذم الحزبى والتى تعنى ضمنا أن الأحزاب وإن كانت مفيدة لأعضائها لكنها مضرة للتيارات التى تنتمى إليها وللمصالح الفئوية أو الطبقية التى تعبر عنها إلا إذا كان هناك تنسيق عال بينها. فى بعض دول أوروبا الشرقية تشكل أكثر من 250 حزبا خلال سنوات معدودة بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، ولكن بعد أول انتخابات تقلص العدد ليصبح فى حدود العشرين. وهذا أمر مفهوم ومتوقع فى الحالة المصرية.